رابعًا: إن مفهوم كتاب الله عند أهل العلم والإيمان يطلق على معنيين:
1. حكمِ الله تعالى وقضائِه في القرآن أو السنة.
قال الرازي: "قال الواحدي: وليس للجلد والتغريب ذُكر في نص الكتاب، وهذا يدل على أن ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم هو عن كتاب الله"، قال الرازي: وهذا حق لأن الله تعالى قال: [لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] {النحل:44}, فكل ما بيّنه الرسول عليه الصلاة والسلام كان داخلًا تحت هذه الآية.
2. القرآن وحده، ولكن يطلق على مدلول السنة بأنه في كتاب الله بواسطة أمر الله لنا بطاعة رسوله واتباع أمره .
قال الشافعي: "ولكن حديث رسول الله مبيِّن معنى ما أراد الله خاصًا وعامًا وناسخًا ومنسوخًا, ثم يلزم الناس بفرض الله، فمن قبل عن رسول الله , فعن الله قبل؛ لأن الله تعالى أبان ذلك في غير موضع من كتابه, قال الله : [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] {النساء:65}
روى الشيخان من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد قالا: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل فقال: أنشدك الله إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله فقام خصمه, وكان أفقه منه فقال: اقضِ بيننا بكتاب الله وائذن لي: قال: قل، قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته, فافتديت منه بمائة شاة وخادم، ثم سألت رجالًا من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأته الرجم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله جل ذكره، المائة شاة والخادم ردٌّ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها"".
وفي هذا الحديث طلب الخصمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهما بكتاب الله وأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وحلف ليفعلنّ، والحكم الذي حكم به بينهما هو رد المائة شاة والخادم، والجلد مائة والتغريب عاما على الزاني ورجم الزانية، وليس الرجم ولا التغريب ولا ردّ المائة شاة والخادم منصوصا عليها في القرآن المنزل، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلق على هذا الحكم أنه كتاب الله أي حكم كتاب الله.
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم