يخطئ الاحتلال إذا ما اعتقد أو توهم أن جبروت القوة والدمار أو كل إجراءاته الأخرى من استيطان وتهويد للقدس ومصادرات للأراضي واعتقالات وعقوبات جماعية وغيرها من الأساليب الإجرامية، يمكن أن تكسر إرادة شعبنا، أو تنال من الإصرار على انتزاع حقوقنا المشروعة في الحرية والاستقلال وحق اللاجئين في العودة والتعويض.
فقد أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي حشد مزيد من قواته على حدود قطاع غزة المحاصر، فيما أطلق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، سلسلة من التهديدات ضد القطاع محذرًا من ردٍّ مدمّر إذا ما تعرضت قواته لهجوم، وأمر وزير الحرب أفيغدور ليبرمان قواته بالاستعداد لأي سيناريو على الحدود، ونشر جيش الاحتلال منظومة القبة الجديدة في مستوطنات غلاف غزة، وتنشر لاحقًا في عدة مدن، وهي بالتأكيد تطورات مترابطة ومؤشر على تصعيد إسرائيلي خطير يؤكد أن هذا الاحتلال يقرع طبول الحرب والدمار، مختلقًا الذرائع والمبررات لشن حرب عدوانية جديدة على القطاع.
فأي عدوان جديد لن يكون مصيره إلا على غرار سابقه بكلِّ تداعياته المأساوية من دمار وضحايا وتهديد أمن واستقرار المنطقة، ولن ينقذ (إسرائيل) من ضرورة حل القضية الفلسطينية حلًّا عادلًا وشاملًا، فقطاع غزة والشعب الفلسطيني عمومًا لن يغرقا في البحر ولن يرفعا الراية البيضاء، بل إن أي عدوان جديد سيؤكد ضرورة وضع حدٍّ للعدوان وحل القضية الفلسطينية مؤقتًا.
فالاحتلال كعادته يستهدف كل الفلسطينيين وقضيتهم العادلة رغم محاولته تضليل العالم بأنه يستهدف هذا الفصيل أو ذاك، فهو يستهدف قطاع غزة بكل فصائله وقواه تماما كما يستهدف الضفة الغربية بكل فصائلها وقواها، وتماما كما يستهدف الشتات الفلسطيني وقضية اللاجئين، ويستهدف السلطة وقيادتها كما حصل من قبل مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، وإن كان يحاول اللعب على الخلافات القائمة في الساحة الفلسطينية.
انظر ماذا يفعل جيش الاحتلال بقطاع غزة الذي أصبح من أهم هواياته قتل الأطفال والنساء والشباب لأتفه الأسباب، وكما نرى اليوم فقد استشهد ما يقارب ٢٠٠ طفل وشاب وامرأة وحتى مقعدين، ناهيك بآلاف الجرحى منذ بداية مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار، وبين الضحايا صحفيون وحتى مسعفون كما أن هناك الإجرام المتعمد من هدم البيوت وترك العائلات والأطفال والنساء في العراء. والأنكى فهم يطلبون من المواطنين الفلسطينيين في القدس المحتلة هدم منازلهم بأيديهم بحجة عدم الحصول على تصاريح بناء، وهي التصاريح التي تمنعها سلطات الاحتلال، وإذا ما وافقت في حالات استثنائية على منح تراخيص بناء، فإن الترخيص يكون باهظ الثمن وقد يصل إلى مائة ألف دولار.
كما أن قطعان المستعمرين الجدد يمارسون هواية الاعتداء اليومي على مقدسات المسلمين والمسيحيين دون أخذ أي اعتبار لمشاعر الفلسطينيين، كما أنَّ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تدعم بناء الجدار غير القانوني حسب قرار محكمة لاهاي، وكأن قانون الغاب هو الذي يمارس ضدنا.
وبعد كل هذا إلى من يلجأ أهالي قطاع غزة؟ سؤال بحاجة إلى مراجعة صحيحة من أصحاب الضمائر الحية بالوقوف عند المسؤولية، لا أقول المسؤولية الوطنية فقط, بل أيضًا المسؤولية الإنسانية، فالشعب هو الذي يضحي وهو الذي يدفع الثمن وهو الذي يقدم لهذا الوطن ولم يبخل على قضيته بدماء الشهداء ولم يستسلم للحصار ولا للاحتلال رغم المعاناة وضيق الحياة فكل شيء لديهم تبدَّل إلى الأسوأ، خصوصًا مع اشتداد حلقات الحصار المتواصل منذ أكثر من أحد عشر خريفًا، في حين لم توجد أيُّ مؤشرات على نوايا ذاتية حقيقية ولم تبذل أي جهود دولية فعلية، للفكاك منه، ولا يعقل ممارسة عقاب جماعي على القطاع وجعله ضحية التجاذبات، فنتيجة ذلك أدى إلى انهيار القطاع وانفجاره في وجه الاحتلال، فلا أعتقد أن يمرَّ أي عدوان جديد على القطاع دون عقاب ودفع الأثمان ولنا في الحرب العدوانية الأخيرة عبرة، لا سيما أن المخططات الأمريكية الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية تسابق الزمن في محاولة لاقتناص الفرصة التاريخية التي تلوح لكيان الاحتلال، في ظل التوهان والانقسام الفلسطيني وتردي الوضع العربي، إلى درجة أن تتصور بعض الدول العربية أن كيان الاحتلال يمكن أن يكون صديقًا وحليفًا مع أنه يبتلع القدس، ويواصل الضم الزاحف للأرض، ويعمل على تصفية قضية اللاجئين، وينفض الغبار عن مخططاته لاستكمال إبادة وتهجير الشعب الفلسطيني، وطمس هويته الوطنية، وتبديد حركته الوطنية ومكتسباته التي تحققت بنضال مديد ومستمر في كل الظروف، وهو قادر إذا توافرت المتطلبات الضرورية على الاستمرار حتى إنجاز أهدافه بالحرية والاستقلال.