يتجدد ملف تسريب العقارات المقدسيّة، وتتسرب الفضيحة من جديد، غير أنها تكشف عن قِدم الجريمة وعمقها بحق قداسة البيوت وهوية الفلسطينيين هناك في عاصمة فلسطين المستقبلية التي قدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هديةً عاصمةً أبديةً للاحتلال الإسرائيلي، مجرداً الفلسطينيين من حقهم وأرضهم، ومسهّلاً كل السبل للانقضاض على هويتهم.
ومما يتضح خلال الحديث مع المقدسيين أو من يعايش هذه الحالات من التسريب العقاري، يجد أن ظاهرة التستر على الجناة المسرّبين، أقوى وأخطر من ظاهرة التسريب نفسها.
ويقول المقدسي خالد الزير من لجنة الدفاع عن بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك: الظاهر أن عمليات تسريب العقارات في القدس ممنهجة، ويديرها أشخاص معينون، لأننا يوما بعد يوم نتفاجأ عن تسريب عقار جديد سواء في البلدة القديمة أو سلوان وغيرها.
ويوضح الزير لصحيفة "فلسطين"، أن المسرّبين يستعملون سياسات ملتوية تجاه المقدسيين للاستيلاء على البيوت بطرق غير قانونية، سواء أكان ذلك عن طريق سماسرة ضعاف الأنفس، أم آخرين بحجج كثيرة، كاستعمال البيت لاستقبال زوار من خارج المدينة.
وفيما يتعلق بـ"الأيدي الخفية"، يؤكد الزير أنها تعمل دائماً في مثل هذه المشاريع مع المستوطنين ولكن لا توجد أدلة واضحة، مضيفا أن "ما نراه أن هناك تستراً على هؤلاء من المسؤولين الذين يفترض عليهم اتخاذ إجراءات بحق المسربين.
وقال: "للأسف لا نجد أي رادع، بل نرى تواجد الشخصيات التي لها ماضٍ بالتسريب تحت حماية أجهزة أمن السلطة في رام الله وأريحا، وهناك الكثير ممن سربوا عقارات في سلوان متواجدون في أراضي السلطة، وهذا واضح ويظهر حجم المؤامرة تجاهنا وتجاه منازلنا وأراضينا ومقدساتنا، وأن هناك تعاوناً من الجميع على توطين المستوطنين مكاننا".
خيانة وجريمة
بدوره، يقول القانوني خالد زبارقة لـ"فلسطين": إن المشكلة في التسريب أن المتورطين فيه إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي يريدون تحويل هذا الأمر إلى شيء طبيعي بين الفلسطينيين واليهود في القدس، وجعله عبارة عن بيع وقبض قانوني لا يوجد فيه أي مشاكل، بينما يتناسون أن الاحتلال هو من يحتل القدس ودوليًّا لا يجوز له إحداث تغيير على المنطقة المحتلة.
ويوضح زبارقة أنه "من ناحية السلطة هناك خيانة، لذلك عليها تجريم التسريب قانونيًّا وملاحقة كل من يسرب أي عقارات، وعدم التعامل معه كمواطن مسالم، لكن هذا البند لم يفعّل حتى الآن في القانون الفلسطيني".
ويضيف أن "من يتابع المد الزمني في السنوات الأخيرة يرى أن هناك تآكلاً في العقارات المقدسية خاصة بعد دخول المتنفذين إلى خط التسريب"، مشدداً على أنه ما زال البيع مرفوضاً لدى الشارع الفلسطيني ومجرّما في ذهنه، ولكن بسبب تورط شخصيات رسمية وكبيرة في السلطة أصبح يلقي بظلاله على نفسية الشارع الفلسطيني بخصوص هذه القضية، و"على ما يبدو أن الاتفاقيات بين السلطة والاحتلال تشجع على تطبيع الاتجار بين العرب واليهود".
من جانبه، يؤكد المحامي المقدسي محمد عليان، أن القانون الفلسطيني يجرم تسريب العقارات ولكن القانون الإسرائيلي لا يجرم ذلك ويعتبره حقا لمن يريد البيع والشراء، وطالما كل الأطراف موقعة وموجودة لا يُلغى البيع إلا إن ثبت التزوير ويكون بادعاء التزوير من أطراف ذات صلة بالعقار وليست أطراف سياسية.
ويضيف عليان لـ"فلسطين"، أن القانون الفلسطيني حسب اتفاق أوسلو لا يجيز لمحاكم فلسطينية مقاضاة مقدسيين، وبعد توقيع الاتفاق لا يوجد اختصاص للمحاكم الفلسطينية على شرقي القدس، ولا يستطيع أحد رفع دعوى في هذه المحاكم للعمل ضد التسريب، فالاتفاقيات وتحديداً أوسلو جردت الفلسطيني من هذه الحقوق، وصارت الجهات الرسمية شريكة في الجريمة".
وأوضح أن "خالد العطاري، وهو الشخص الذي ارتبط اسمه بالتسريب، اشترى عقاراً بعد موافقة المحافظ والتوصية بأنه من المواطنين المحترمين، ثم باعه، منبهاً إلى أن "صاحب العقار عرض على السلطة شراءه نظراً للقيمة الكبيرة للضريبة الإسرائيلية المسماة (الأرنونا) فرفضت وقالت إنه لا يلزمها، ثم قام بتأجيره ثم تم تسريبه".