ما زالت عملية سلفيت تلقي بظلالها السلبية على الواقع الأمني الإسرائيلي، وزيادة حدة المخاوف من عودة لظاهرة العمليات الهجومية، فردية كانت أو منظمة، في ظل ما تمثله الضفة الغربية من أهمية إستراتيجية على مختلف الأصعدة: الأمنية والعسكرية، فضلا عن السياسية.
إن أقرب نقطة بين حدود الضفة الغربية نزولا باتجاه الغرب إلى عمق إسرائيل ووصولا إلى البحر تتراوح بين 12-15 كلم، وتطل جبال الضفة على عمق المناطق الإسرائيلية، وتشرف بالكامل على أكثر من 45% من مساحة الشريط الغربي، ولذلك تركزت خطة إسرائيل خلال المراحل السابقة على منع المقاومة هناك من التقاط أنفاسها كي لا تتمكن من امتلاك قدرات نوعية، ورفع مستوى سياسة العقاب ضد الفلسطينيين المنخرطين في هذه العمليات.
يعتقد الإسرائيليون، لاسيما في المستويين الأمني والعسكري، أن الضفة الغربية هي الحقل الأساسي للمعركة ضد المقاومة، ولعل هذا ما دفع القادة العسكريين لإطلاق تسميات جديدة على الضفة بعد الانسحاب من غزة، ومنها: الجبهة الشرقية الجديدة، قوس الشر.
ويبرز السؤال أكثر إلحاحا عن ساحة المقاومة في الضفة الغربية، لعدة اعتبارات، بينها وجود الاحتلال الإسرائيلي الذي اجتاح مدن الضفة، ولا زال يحتلها منذ عام 2002، واعتقال نشطاء العمل الميداني، السياسي والعسكري، وتشكيل شبكة واسعة من العملاء لمراقبة تحركات أي فلسطيني على صلة بالمقاومة، ورغم نجاح بعض رجال المقاومة في التخفي عن عيون الاحتلال وعملائه، إلا أن قدرتهم على التحرك ليست سهلة في ظل الانتشار العسكري المكثف في جميع المدن والقرى.
وفي مقابل تغير ساحة المقاومة في قطاع غزة، فإن الساحة الميدانية للمقاومة في الضفة الغربية لم تتغير كثيرا، وبالتالي بقيت الأهداف ذاتها، مثل مهاجمة دوريات العدو وقطعان مستوطنيه، وعمليات الاقتحام الاستشهادية داخل المستوطنات، العمليات الاستشهادية داخل العمق الإسرائيلي، وإن أصبحت أكثر صعوبة، مع ملاحظة أن حجم الضغط الأمني والعسكري الإسرائيلي زاد كثيرا في الشهور الماضية على قوى المقاومة، لاسيما من خلال حملات الاعتقالات.
غصت وسائل الإعلام بالعديد من التحليلات الأمنية والعسكرية في اليومين الأخيرين التي تتحدث عن جهود كبيرة تبذلها المقاومة الفلسطينية لنقل المعركة إلى الضفة الغربية، لبدء ما تسميه "الانتفاضة الثالثة".
وسواء كان ذلك حقيقيا، من خلال كشف بعض الوقائع، أو نشر بعض اعترافات المعتقلين عن هذه النوايا، فإن تصوير الوضع على هذه الصورة يجعل المراقب للأحداث يعتقد ولو بنسبة بسيطة أن هذه التقارير التهويلية، لها خلفية أمنية استخبارية إسرائيلية، تهيئ الرأي العام لمزاعم تفيد بأن الضفة الغربية تحولت إلى "عش دبابير"، وأن قوى المقاومة تحضر نفسها لشن مزيد من الهجمات المتقدمة كما ونوعا، مما سيبرر لقوات الاحتلال معارضة أي انسحابات مستقبلية من الضفة ضمن أي اتفاق سياسي مع الفلسطينيين.