لا يكاد يخلو يوم في وسائل الإعلام الإسرائيلية من الحديث عن الجبهة القتالية الجديدة التي باتت تواجهها (إسرائيل)، جبهة تكلفها خسائر فادحة، دون أن تسفك فيها قطرة دم أو يطلق فيها عيار ناري، لكن آثارها وتبعاتها قد لا تقل عن معركة عسكرية أو مواجهة ميدانية.
يدور الحديث عن جبهة حركة المقاطعة العالمية BDS، وحملات نزع الشرعية عن (إسرائيل)، والملاحقات القانونية والقضائية لجنودها وضباطها وساستها بسبب ارتكابهم جرائم حرب ضد الفلسطينيين، وقد أخذت هذه الجبهة تمددًا في السنوات الأخيرة، أفقياً ورأسياً، مما جعلها تشكل عنصر قلق جدي على دوائر صنع القرار الإسرائيلي.
لعل مكمن القلق الحقيقي الإسرائيلي من هذه الجبهة المعادية الجديدة، أنها تضرب في الأساس في صدقية الرواية الإسرائيلية عن الصراع مع الفلسطينيين، وتشكك في مدى واقعية إقامة الدولة على أنقاض الفلسطينيين، وتعتبرها امتدادًا لأنظمة دكتاتورية تسلطية عنصرية، وصولًا إلى وصفها بأنها دولة أبارتهايد، الأمر الذي قد يشكل تحشيدًا غربيًا وعالميًا لهذه الرواية، على الأقل في المستويات الشعبية والجماهيرية.
الأخطر بنظر (إسرائيل) أن هذه الحملات باتت تجد لها منابر رسمية تتحدث عبرها، سواء الأجسام التابعة للأمم المتحدة، أو البرلمانات الغربية، والمحافل الأكاديمية والقطاعات الاقتصادية، وهي أماكن احتكرتها (إسرائيل) إلى عهد قريب.
وصلت الجهود الإسرائيلية في الآونة الأخيرة إلى تشكيل أجسام وكيانات ومؤسسات حكومية وغير حكومية، لمواجهة هذه الحملة المعادية لها، حتى أن وزارة الشئون الإستراتيجية الإسرائيلية باتت مسخرة بصورة أساسية للتصدي لها، وقد أخذت الجهود الإسرائيلية أشكالا عديدة، من أهمها:
- اعتبار نشطاء المقاطعة مساوين لعناصر الجماعات المسلحة الفلسطينية، مما يعني التعامل معهم كأناس خطرين على أمن الدولة، ومن ثم منعهم من دخولها، فضلا عن إجراء التحقيقات الأمنية معهم.
- إصدار قائمة سوداء بالمؤسسات والمنظمات الناشطة في هذه الحملة، وإدراجها ضمن الجهات المعادية لها، بما يتضمن ذلك من ملاحقة لفعالياتها، وتجميد لأرصدتها، ومنع أحد من التبرع لها.
- التحريض ضدها في المحافل الدولية، ونشر التقارير الكيدية عنها، ونقل معلومات أمنية، جزء أساسي منها غير دقيق، وربط هذه الحملة السلمية غير العنيفة بعلاقات متوهمة مع المنظمات الفلسطينية المسلحة.
هذه أهم الأساليب والوسائل الإسرائيلية في التعامل مع هذه الحملة التي ترى إسرائيل أنها تستهدفها، مع أن الواقع يقول أن هذه الفعاليات "تتغذى" بالأساس على الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين.
ولو أن (إسرائيل) أوقفت هذه الجرائم والانتهاكات، لما وجدت تلك الحملات ما تتحدث عنه، لكن هيهات هيهات، فإن دولة الاحتلال قامت بالأساس على فكرة الجريمة والاغتصاب، ولن تتمكن من البقاء يوما واحدا دون أن ترتكب جريمة هنا وانتهاكا هناك، لأنها دولة عنصرية محتلة غاصبة، وما يتحقق ذلك دون قمع وقتل الفلسطينيين.