على عكس ما توقع بعضٌ بانخماد شعلة مسيرات العودة وكسر الحصار بمنتصف مايو/أيار الماضي، أي بعد 45 يوما من انطلاقتها، تواصلت المسيرات الشعبية على طول المناطق الشرقية لقطاع غزة قبالة السياج الفاصل مع الأراضي المحتلة عام 1948 وجمعة بعد أخرى يزداد زخمها وتتطور أدواتها السلمية، وذلك في ظل انقضاء ستة شهور (نصف عام) من عمرها.
وانطلقت مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار في 30 آذار/مارس الماضي تزامنا مع الذكرى الـ 42 ليوم الأرض، بعدما نصبت الهيئة الوطنية العليا "خيام العودة" على مسافة تتراوح ما بين سبعمئة متر من السياج الفاصل في خمس نقاط رئيسة: شرقي مدينتي رفح وخان يونس جنوب القطاع، وشرق المحافظة الوسطى، وأخرى شرق مدينة غزة، وخامسة في الشمال شرق جباليا.
وتهدف المسيرة لكسر الحصار المشدد المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 12 عام، والتأكيد على رفض الفلسطينيين لما يسمى "صفقة القرن" والاعتراف الأمريكي بمدينة القدس المحتلة كعاصمة لدولة الاحتلال، إلى جانب السعي لإسقاط جميع المؤامرات الساعية لتصفية القضية الفلسطينية.
وأعادت مسيرات العودة وكسر الحصار الأنظار مجددا إلى حق العودة الذي ظهر عقب نكبة عام 1948، حيث تهدف إلى التأكيد على حق الفلسطينيين بالعودة إلى قراهم وبلداتهم المحتلة وفق قرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة بتاريخ 11/12/1948 والقاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
وأوضح عضو الهيئة القيادية العليا لمسيرة العودة سفيان مطر، أن المسيرة ولدت قبل أكثر من ستة أشهر من رحم قرار وطني لتحقيق أهداف جامعة لذلك "ستفشل جميع الرهانات على توقف المسيرات عند مرحلة معينة مثلما فشلت سابقا"، مشددا على مواصلة المسيرات الشعبية حتى تحقق أهدافها المتمثلة بكسر الحصار وحماية حق العودة.
وقال مطر لصحيفة "فلسطين": تتوافر عدة عوامل تضمن استمرار مسيرات العودة وكسر الحصار إلى أبعد مدى، وذلك في ظل استمرار الحصار وتشديده في الآونة الأخيرة وزيادة معدلات المشاركة بشكل متسارع، فضلا عن استشعار الكل الفلسطيني بحجم المخاطر التي تهدد الثوابت, الأمر الذي يدفع جميع الأطياف للمشاركة في فعاليات المسيرات طوال أيام الأسبوع.
وعدّ مطر ثلاثة عوامل إضافية تضمن استمرار المسيرات الشعبية حتى تحقق أهدافها، أهمها إنجاز المصالحة الداخلية بما يزيد لاحقا من فرص انتقال المسيرات إلى الضفة الغربية المحتلة إلى جانب العمل على تعزيز صمود المواطنين قدر المستطاع بالإضافة إلى تقديم الدعم الكامل لجرحى المسيرات وفتح سبل العلاج في الخارج أمامهم.
وبلغت المسيرات الشعبية ذروتها بـ14 مايو/أيار تزامنا مع الذكرى السبعين للنكبة ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، إذ ارتكب جنود الاحتلال مجزرة دامية بحق المواطنين المشاركين في فعاليات المسيرة آنذاك، فاستشهد ما لا يقل عن 59 فلسطينيا، بينهم ثمانية أطفال ومقعد وصحفي، وأصيب أكثر من 2700 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة بينهم 13 صحفيا.
إصرار فلسطيني
وقال عضو لجنة الإعلام في الهيئة الوطنية قذافي القططي إن الأسابيع الأخيرة من مسيرات العودة وكسر الحصار أثبتت بشكل قاطع أن الجماهير الفلسطينية لديها الإصرار الكامل على مواصلة نضاله السلمي في مخيمات العودة حتى تحقيق الأهداف المشروعة.
وحول فرص استمرار المسيرات مع اقتراب دخول فصل الشتاء، أضاف القططي لصحيفة "فلسطين" "لا يمكن للجماهير المنتفضة أن تعدم الوسيلة التي تواجه بها الاحتلال وتبقي على شعلة المسيرات، والميدان أثبت قدرة المواطنين على تشكيل وحدات ميدانية تنشط على مدار الساعة وعلى طول المناطق الحدودية".
وأنشأ الشباب الثائر في مخيمات العودة عددا من الوحدات الميدانية التي تشرف على آليات مواجهة "العنف الإسرائيلي" تجاه السلمية الفلسطينية، كوحدة "الكوشوك" الساعية للتشويش على قناصة الاحتلال وحجب الرؤية عنهم قدر المستطاع، وحدة قص السلك، وحدة مكافحة قنابل الغاز.
ونجح الشبان كذلك بتحويل الطائرات الورقية إلى أداة مقاومة شعبية تستنفر الاحتلال وتوقد النيران في الأراضي الزراعية المحيطة بالمواقع العسكرية المحاذية لقطاع غزة، وأخيرا، ابتكر النشطاء "وحدة الإرباك الليلي" الذي تعمد إلى تنفيذ أعمال ارباك وإزعاج ومشاغلة جنود الاحتلال المتمركزين في ثكناتهم العسكرية.
وخلال فعاليات المسيرة سيرت هيئة الحراك الوطني لكسر الحصار رحلتين بحريتين من ميناء غزة، باتجاه ميناء ليماسول في قبرص سعيا لكسر الحصار البحري، إلا أن الاحتلال اعتدى على المشاركين من الحالات الإنسانية في كلتا الرحلتين واعتقلهم في ميناء "أسدود" الإسرائيلي، قبل أن يفرج عن بعضهم لاحقا.

