"يا أهلنا فكوا الحصار.. عار عليكم أي عار.. عار عليكم أن يجوع صغارنا.. أنتم أليس لكم صغار؟!"، يتساءل الشاعر د. عبد الغني التميمي، قبل أن يُفصِّل في قصيدته "فكوا الحصار" شيئا من أسباب الحصار قائلًا: "يهب بعض شبابنا من كل ساح متعطشين إلى الشهادة والكرامة والكفاح فتحرمون على جميع شبابنا حمل السلاح".
عندما برزت مساعي للمصالحة الفلسطينية في القاهرة قبل سنة، انعقدت آمال على أن الانقسام سيكون قريبا وراء الظهور، لكن أحدث زيارة للحمد الله أجراها لقطاع غزة في 13 مارس/ آذار 2018 لم تشمل حتى رفع الإجراءات العقابية التي تفرضها عليه حكومته، جنبا إلى جنب الحصار الذي تشدده (إسرائيل) منذ 12 سنة.
وفي الزيارة نفسها، وقع انفجار لم يسفر عن إصابات، أثناء مرور موكب الحمد الله في منطقة بيت حانون شمال قطاع غزة.
واتهمت وزارة الداخلية في غزة، في 28 أبريل/ نيسان 2018 جهاز المخابرات العامة في رام الله بالمسؤولية عن محاولة تفجير موكب الحمد الله ومحاولة اغتيال المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء توفيق أبو نعيم عبر "خلايا إجرامية" جرى تشكيلها وإدارتها عن بعد لغرض نسف الاستقرار الأمني في القطاع.
وكان الحمد الله وصل القطاع في السابع من ديسمبر/ كانون الأول 2017، دون اتخاذ أي قرار برفع العقوبات عن الغزيين.
ووقّعت حركتا حماس وفتح، في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2017 في القاهرة على اتفاق لتحقيق المصالحة، بحضور مدير المخابرات العامة المصرية السابق خالد فوزي.
وفي الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2017، وصل الحمد الله وحكومته قطاع غزة بحضور وفد أمني مصري، لكن الحكومة أنهت أول اجتماع لها في اليوم التالي دون التوصل لنتائج ملموسة، برفع العقوبات عن القطاع.
وكانت هذه المرة الثالثة التي يصل فيها الحمد الله القطاع، وسط اتهامات على نطاق واسع لحكومته بعدم القيام بمهامها في القطاع.
ووصل الحمد الله القطاع كرئيس للحكومة لأول مرة في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2014، بينما الزيارة الثانية في 25 مارس/آذار 2015.
وأعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس، في 17 سبتمبر/أيلول 2017 حل اللجنة الإدارية التي كانت قد تشكلت بمارس/آذار من العام نفسه، في القطاع "لسد الفراغ" الناجم عن عدم قيام حكومة رامي الحمد الله بمهامها.
ودعت حماس في بيان آنذاك، الحكومة للقدوم إلى قطاع غزة؛ لممارسة مهامها والقيام بواجباتها فورا، كما أكدت موافقتها على إجراء الانتخابات الفلسطينية العامة.
وكان رئيس السلطة محمود عباس –الذي انتهت ولايته دستوريا في 2009 ولا يزال في منصبه دون انتخابات- اتخذ هذه اللجنة ذريعة لفرض سلسلة من الإجراءات التي وصفها بـ"غير المسبوقة"، شملت الخصم من رواتب موظفي السلطة في القطاع دون الضفة الغربية، وتأخير صرفها، كما مست مجالات حيوية كالصحة والكهرباء والوقود، وغيرها.
تنصل
وتسلّمت هيئة المعابر والحدود في السلطة رسميا مسؤولية معابر القطاع، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2017 حسب الجدول الزمني الذي حدده الاتفاق، بيد أن الحمد الله ربط عمل هذه المعابر بالملف الأمني، في خطوة أثارت جدلا حول نوايا السلطة واعتبرها البعض توجها نحو "الإحلال والوصاية" بدلا من الشراكة.
وخلال لقاء تلفزيوني في أكتوبر/تشرين الأول 2017، قال عباس: "هناك دولة واحدة بقانون واحد بسلاح واحد"، مضيفا: "كل شيء يجب أن يكون بيد السلطة الفلسطينية، وأكون واضحا أكثر لن أقبل أو أستنسخ تجربة حزب الله في لبنان"؛ على حد تعبيره.
لكن رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، قال في لقاء متلفز، في الشهر نفسه: "سلاح الحكومة والشرطة وأجهزة الأمن الحكومية هذا بالتأكيد سلاح واحد، وهناك سلاح المقاومة طالما أن هناك احتلالا صهيونيا على الأرض الفلسطينية فمن حق شعبنا أن يمتلك سلاحه وأن يقاوم هذا الاحتلال بكل أشكال المقاومة".
وتنصلت حكومة الحمد الله من البند الذي ينص على استمرار استلام الموظفين رواتبهم التي كانت تُدفع لهم، اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني 2017، في اتفاق القاهرة الأخيرة، إضافة إلى سرعة إنجاز اللجنة القانونية الإدارية المشكلة من الحكومة لإيجاد حل لموضوعهم قبل الأول من فبراير/شباط الماضي.
وأقرت الحكومة في 27 فبراير/شباط 2018، في اجتماع مشترك بين الضفة وغزة عبر تقنية "فيديو كونفرنس"، ما وصفها مراقبون بأنها "ميزانية انفصال"، تحدثت عن أنه "تم إعداد موازنة الأساس مع الأخذ بعين الاعتبار بقاء الوضع الحالي القائم في قطاع غزة"، وأنه "تم إعداد موازنة موحدة في حال تحقيق المصالحة".
ويقول المحلل السياسي طلال عوكل: "الحكومة لم تقم بدورها تجاه قطاع غزة كما ينبغي، أو على الأقل بما يوازي ما تقوم به في الضفة الغربية".
ويضيف عوكل لصحيفة "فلسطين": "خلال هذه السنة على الأقل، زادت الأمور سوءا".
ويبين أن سنة مضت على مساعي إنهاء الانقسام في أكتوبر/تشرين الأول 2017، متابعا: "لم ننجح في تجاوز العقبات أمام المصالحة وبالتالي زاد الأمر سوءا في كل الجوانب وليس فقط أداء الحكومة، وإنما تأثير ذلك على التمويل الدولي والمؤسسات عامة ومؤسسات المجتمع المدني و(وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) أونروا ومشكلاتها.. الوضع عمليا كارثي"، وفق وصفه.
ويؤكد عوكل عدم وجود مبرر للإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة على القطاع، موضحا أنها تتجاهل معاناة مليوني فلسطيني في غزة.
ويشير إلى أن نتائج الإجراءات العقابية تقع على المواطنين بالدرجة الأولى، مطالبا حكومة الحمد الله بالتوفق عنها تماما.
وكان عباس هدد قطاع غزة من على منصة الأمم المتحدة الخميس الماضي قائلا: "لن نتحمل أي مسؤولية من الآن فصاعدا".
بينما يقول عوكل: "لسنا بحاجة لمزيد من الإجراءات" العقابية.
وينبه إلى أن القضية والحقوق الفلسطينية تتعرض لمخاطر حقيقية، وأن استمرار الانقسام وأداء الحكومة على هذا النحو، يضعف صمود المواطن، رغم أنه أولوية في مواجهة هذه المخاطر.
ويدعو إلى الارتقاء بمستوى المسؤولية الوطنية تجاه المواطن حتى يتمكن من مواجهة الأخطار المحدقة.

