وصف إمام المسجد الأقصى المخضرم الشيخ عكرمة صبري الصلاة في المسجد الأقصى بأنها أصبحت مرعبة..
كنا قبل مرحلة التفاوض وفتح العلاقات والسلام المزعوم وقبل أن تحل علينا بركات أوسلو، إذا أردنا الصلاة في المسجد الاقصى ننطلق الساعة الحادية عشرة لنصلي الجمعة ظهرا, وهذا متاح لكل من أراد الصلاة ذكرا أو أنثى طفلا أو شابا أو مسنا، وكنا ننطلق من رام الله في رمضان بعد الافطار وصلاة المغرب لنشهد صلاة العشاء والتراويح، ثم نعود أدراجنا، قد يعترضنا حاجز عسكري وبعض المضايقات ولكن يتم تجاوزها، أما هذه الأيام فإن من أراد الصلاة فعليه بالآتي:
- أن يكون قد تجاوز الخمسين وأن ينتظر يوم الجمعة في رمضان ثم يمر بعملية الغربلة على حاجز قلنديا حيث نصبت عدة مفارز، إن نجا من واحدة لا ينجو من الثانية حتى إذا وصل "المعّاطة" وهو مصطلح فلسطيني يعبر عن حالة الدوران مع الباب الدوار ذي المقاطع الحديدية التي تشبه ماكينة نتف ريش الدجاج. اذا كنت نظيفا أمنيا وفق معاييرهم السوداء تمر من براثن المعاطة واذا كنت ممن شابتك شائبة من سوابقك الأمنية معهم كان حظك عظيما إن أعادوك دون اعتقال أو احتجاز لساعات.. يفتح لك باب كهربائي ثم تؤمر بدخوله عبر مكبرات الصوت ثم يغلق خلفك لتجد نفسك محتجزا معتقلا تنتظر رحمة الجلاد.
- ممكن الدخول لمن ملك الهوية الممغنطة وتصريح الدخول وذلك بعد الفحص والتمحيص بشريا وإلكترونيا ولكن من يُعطى مثل هذا؟ وكم هي نسبتهم من جمهور المصلين؟! لا أحد يعرف إلا أننا نلحظ حالة "المرمرة" التي يمرون بها وكأنهم يدفعونه إلى عدم تكرار التجربة مرة ثانية.
- ومن حظي بتجاوز حاجز قلنديا سيجد قطاع الطرق داخل مدينة القدس يتربصون به على أبوابها، يشهرون سلاحهم ويضعون المواطن الفلسطيني الأعزل في حالة رعب، إذ لو أن جنديا أحب أن يتسلى أو أن يعمل "أكشن" في عمله الروتيني الممل ما عليه إلا أن يدعي على أحد المارة بأنه حاول طعنه أو الاعتداء عليه، حينها تقوم معفرة لها أول وليس لها آخر وتنتشر حالة من الفزع وينتشر الجنود بكل شراسة وتتحول طرق القدس العتيقة إلى جبهة حرب بين لحظة وأختها، يفر الناس وتداس النساء وضعاف الخلق تحت الأقدام فلا يحترم كبير ولا يرحم ضعيف أو صغير.
- واذا حالفك الحظ ووصلت ساحة المسجد حيث يخيب ظنك بالشعور بأمن وحرمة المسجد، ستجد حرابهم مصوبة إلى صدور المصلين وستجد قطعان المستوطنين بكل خسة ونذالة وتحت حراسة قوات معززة بالسلاح يقتحمون الساحات جيئة وذهابا، فوجا بعد فوج وأنت لا تدري كيف تؤدي الصلاة والخطر محدق بك من كل جانب وهم يغرقونك بالشعور بالذل والمهانة والقهر، يملؤون صدرك غيظا وغضبا ويحرقون الأمل في قلبك..
- تتشاهد على روحك مرات ومرات ثم تنطلق بعد الصلاة وقلبك من أعماقه يصرخ: ما هذه الصلاة المغمسة بالذل؟؟ وإذا انقضت جمع رمضان عليك الانتظار سنة كاملة ليسمح لك مرة ثانية هذا إن لم تزدد الاوضاع سوءا وزادوا من شروطهم كما هو دأبهم.
والسؤال الآن لماذا وصلنا الى هذه الحالة وتدرجت بنا الأمور إلى هذه الدرجة، الإجابة السريعة: هي سياسة الاحتلال، ولكن ما هي سياستنا نحن وأين كانت مع خمس وعشرين سنة من التفاوض؟ كيف حصل هذا ولماذا ؟ وعلى ماذا كنا نفاوض؟ ثم هل قبولنا وانصياعنا لسياساتهم اتجاه قدسنا كان صحيحا؟ لنعلن ما هي سياستنا وما هي خطتنا؟ هل فقط أن نعلن استنكارنا وشجبنا ورفضنا ثم لا نفعل شيئا؟ أو أن نذهب فرادى لندبر تصريحا وممغنطا؟ أو أن ننتظر إجراءاتهم القادمة؟!
الأمر بحاجة إلى رؤية وطنية وخطة ننتهجها بحيث تكون مختلفة تماما عن ردات الفعل والاستجابة إلى شروطهم والسعي في الاجراءات التي يجيدون جعلها وكأنها حقائق على الأرض..