ما فتئ الوضع الأمني في غزة، وتطورات المسيرات الشعبية، ودخولها النصف الثاني من العام الأول، تتسبب بإشكالات إسرائيلية متلاحقة، عرفت طريقها في الآونة الأخيرة إلى وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة.
صحيح أن إسرائيل، الدولة المحتلة، لديها من القوة الغاشمة، ما يجعلها قادرة على قمع المسيرات، وكبح جماحها، لكنها تعلم أن أي قوة لها حدود، وكوابح، الأمر الذي تجلى بصورة واضحة في التعامل مع غزة.
أخذت الخلافات الإسرائيلية الداخلية في الآونة الأخيرة مديات أوسع، حين تخللتها اتهامات متبادلة بين أقطاب ووزراء بارزين في المجلس الوزاري المصغر للشئون الأمنية والسياسية، لا سيما وزير الحرب أفيغدور ليبرمان "الكلب الذي ينبح كثيرًا ويعض قليلًا، كما يصفه الإسرائيليون أنفسهم، ووزير التعليم نفتالي بينيت، صاحب المزاودات التي لا تتوقف، وعينه نحو وزارة الحرب تمهيدا لرئاسة الحكومة، كما يطمح ويحلم.
ليست المرة الأولى التي يقود فيها زعيم حزب البيت اليهودي، الشريك الأساسي في الائتلاف الحكومي، حملة المزاودات الداخلية على أداء الحكومة والجيش في تعاملهما مع غزة، ولئن اقتصرت اتهاماته الأخيرة على وصف ليبرمان بالضعيف أمام حماس، فإنه قفز خطوات كبيرة خلال الحرب الأخيرة على غزة في 2014، حين تحدى وزير الحرب المخضرم الجنرال "موشيه يعلون"، بتحريض الرأي العام الإسرائيلي ضد الحكومة، وأعاد من جديد طرح الشعار الدموي" دعوا الجيش ينتصر"، مما جعل أوساطا إسرائيلية تتهمه بتعريض أمن الدولة للخطر.
كان متوقعا أن يرد ليبرمان على هذه الاتهامات من شريكه في الائتلاف الحكومي بالقول أنه يجب عليه الاهتمام بالتعليم وترك الأمن، متوعدا إياه بأنه في حال استمر بانتقاداته سيتولى حقيبتي التعليم والأمن.
ما يهمنا كفلسطينيين من المزاودات الرخيصة بين الإسرائيليين مدى تأثيرها على صناعة الحدث الأمني والعسكري على حدود غزة، وإمكانية أن تستفز ليبرمان بزيادة عدوان جيشه، ليدفع عن نفسه تهم الخوف والضعف.
ما زال القرار الإسرائيلي في المستويين: السياسي والعسكري، يذهب باتجاه ضبط الوضع الأمني على حدود غزة، ومحاولة طي صفحة التوتر الحالي، بتهدئة مع حماس، أو تفاهمات إقليمية دولية لتحسين الوضع المعيشي، رغم أن ذلك لا يضمن ألا تذهب الأمور لتصعيد محسوب أو مفتوح، حسب طبيعته وحجمه.
التوجه الحالي، بغض النظر عن ذلك التنابز بالألقاب بين الإسرائيليين، يسعى للحيلولة دون انفجار الوضع على حدود غزة، رغم أن الأمر قد يتجاوز هذه الخلافات، إن شعر صانع القرار في تل أبيب أن الساعة قد دقت للاستحقاق الذي لا بد منه، بغض النظر عن خلافات حزبية ومزاودات داخلية.