غابت معالم الحياة الدراسية، وحل مكانها الحزنُ العميق، والصدمة على ملامح الطلبة داخل فصل الطفل الشهيد "ناصر مصبح" (12 عاما).
ولليوم الثاني، لم يستطع الطلبة الذين يتعلمون في مدرسة عبد الكريم الكرمي الابتدائية، بمدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، استئناف دراستهم، فيما يحاول أخصائيون نفسيون التعامل معهم لإخراجهم من هذه الحالة.
واستشهد الطفل ناصر عزمي مصبّح (12عامًا)، من بلدة عبسان الكبيرة شرقي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، الجمعة الماضي، خلال مشاركته في مسيرات العودة الأسبوعية برصاص قناص إسرائيلي.
وكان "مصبح" معتاد على التوجه لمسيرات العودة، بغرض مساعدة شقيقتيه "إسلام ودعاء"، المتطوعتين بشكل أسبوعي في إسعاف الجرحى.
واستُشهد برفقة الطفل مصبح، ستة فلسطينيين آخرون، ليرتفع عدد الشهداء الأطفال منذ انطلاق المسيرات في 30 مارس/ آذار الفائت إلى 34، من بين 193 شهيدًا.
ضياء أبو خطي، جلس على مقعده في الطاولة الأولى للفصل مكتوف الأيدي، يبكي على صديقه "ناصر"، ويقول:" في يوم تشييع جثمانه، السبت، كان موعدي معه في البيت عندي، ليعلمني بعض الأشياء في القرآن الكريم والدين، لأنه يحفظه كاملاً".
ويضيف:" كُنت أفتخر بأنني صديقه، وأطمح أن أصبح في مستوى ذكائه يومًا؛ لكنه رحل".
ويضيف الطفل أبو خطي:" كان يُذاكر معي، واستعين به في حل الواجبات".
ويتابع بعدما تنهد وطأطأ رأسه باكيًا:" كان صديقي المميز والمتميز، والحافظ للقرآن الكريم، ويساهم معنا في جميع الأنشطة المدرسية، بما فيها: الصحة، وأصدقاء المكتبة والمختبر، ولجنة اللغة الانجليزية، ولقبناه (بعبد الباسط) لجمال صوته (تشبيها بالقارئ المصري الشهير عبد الباسط عبد الصمد)"."وكان يشارك بمسيرات العودة وكنت أنصحه أن يبتعد عن الحدود، حتى لا يقتله الاحتلال كما قتل الأطفال من قبله"، يضيف الصديق.
أما مدرس الطفل مصبح، لمادة العلوم، كمال النجار (50عامًا)، فيقول إنه كان متفوقا وعاشقا للمواد العلمية.
وأضاف:" قبل أسبوعين تبرع الطفل مصبح بإحضار أرنب لإجراء عملية تشريح عليه، للتعرف على أجزائه من الداخل".
وأكمل:" أخبرني ناصر أنه يطمح أن يُصبح طبيبًا جراحًا في المُستقبل".
ويقول المدرس:" قدر الله أن يستشهد ولا يحقق حُلمه؛ وعلى الرغم من الفترة التي عاشها معنا وهي شهر واحد، كان متميزًا ومميزًا، يشارك في جميع الأنشطة المدرسية".
أما منزل الطفل، فيحمل حكاية وجع وألم أخرى للعائلة، حيث ترك خلفه بعض الأشياء التي عرضتها أسرته للزائرين، ومنها: شهادات تقدير لحفظه للقرآن الكريم، وتفوقه في الدراسة والخطابة، ورياضة (الكونغ فو).
كما حوت الأغراض، بنطاله الذي استُشهد به، وزجاجة وشاشا طبيا، كان بحوزته، ويحمله معه بغرض مساعدة شقيقتيه "دعاء وإسلام"، المتطوعتين في إسعاف الجرحى بمسيرات العودة .
وتقول والدته سماح مصبح (41 عاما) إن ولدها "لم يكن مثل بقية الأطفال".
وتضيف:" ابني حفظ القرآن الكريم كاملا، وأعاد تثبيت الحفظ مرتين، وكان يستعد لجلسة تثبيت ثالثة".
وأكملت:" كان ابني من المتفوقين ويحب الدين، ودراسة العلم الشرعي، وحصل على الأول في مسابقة (داعية المُستقبل) من بين 40 طالبًا، وحصل على هدايا وشهادات لتفوقه وتفانيه".
كما أوضحت أنه كان يحب الرياضة، حيث حاز على حزامين "الأصفر والبرتقالي"، في رياضة (الكونغ فو) القتالية.
وتتابع الأم بعدما غلبها البكاء:" كان يؤذن في المسجد، ويقرأ باستمرار في الإذاعة المدرسة القرآن، وغاب صوته عنها، ولم يتم تقديمها يوم استشهاده".
وحول مشاركته في مسيرات العودة، تقول:" كي يرى فلسطين التي على الجانب الآخر من الحدود، وأصر على الذهاب، حتى بات يرافق شقيقاته المُسعفات أسبوعيًا ويساعدهنّ".
وتؤكد الأم أنها لم تكن تعتقد أن يتعرض ابنها للقتل على يد الجيش الإسرائيلي، كونه لم يحمل سلاحا، وكان يساعد في إسعاف الجرحى.
وتضيف:" لم يكُن يحمل سلاحًا، سوى محلول ملحي بيده ليساعد الذين يتعرضون للاختناق بالغاز، ولم أتوقع أن يُقتل يومًا، لأنه لا يخاطر بنفسه ولا يُشكل خطرًا على غيره".
وتكمل:" العيار الناري الذي أصابه برأسه كان مقصودًا من القناص، وأتحدى الاحتلال أن ينشر صورةً له يُثبت أنه شكّل خطرًا عليهم؛ فكيف لطفل يده صغيرة، أن تطال قناص مُتحصن داخل ثكنة عسكرية؟!.
وقتل جيش الاحتلال الإسرائيلي سبعة فلسطينيين بينهم طفلان، يوم الجمعة الماضي، خلال مشاركتهم في مسيرات العودة.
كما أُصيب أكثر من 500 شخص، بينهم 90 بالرصاص الحي، بحسب وزارة الصحة.
وقال أشرف القدرة، الناطق باسم وزارة الصحة، في بيان أصدره، إن نوعية وطبيعة الإصابات تشير أن قوات الاحتلال الإسرائيلي "مارست العنصرية بطريقة وحشية (..) بانتهاج سياسة القنص المباشر في المناطق القاتلة والحساسة ضد المواطنين السلميين".
المصدر: وكالة الأناضول

