ليلة زيارة ابنها الأسير، لا تذوق وداد ياسين، للنوم طعما، بانتظار أن تشير الساعة بعقاربها إلى الرابعة فجرا، للتجهّز للانطلاق لزيارة ابنها "مجدي" المعتقل في سجن "هداريم".
كانت ياسين، تنتظر على أحر من الجمر زيارة نجلها، لكن قبل عام ونصف العام حرمتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي من الالتقاء بابنها أو سماع صوته؛ بحجة "المنع الأمني" دون إبداء السبب.
واعتقلت سلطات الاحتلال مجدي ياسين في 5 نيسان/ إبريل 2007 وحكمت عليه بالسجن 18 عاما، لعضويته في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ووجهت له عدة تهم تتعلق بالمشاركة في إطلاق صواريخ على المستوطنات القريبة من قطاع غزة، والمشاركة في تنفيذ عمليات ضد الاحتلال.
وتصف ياسين، زيارة الأهالي لأبنائهم بـ "المتنفس الوحيد" للأسير الذي يخفف من معاناته المتواصلة لحين الإفراج عنه، عادّة أن الحرمان من الزيارة يزيد أوجاع الأهالي والأسرى سواء.
وعن تفاصيل الزيارة، تبدأ باتصال من مندوب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قبل موعد الزيارة بنحو شهر، ويتم خلالها تسجيل الأسماء وتجهيزها، قائلة: "يبدأ منذ هذه اللحظة الشعور بالقلق والخوف خشية الرفض الإسرائيلي".
وتتابع ياسين: "تمر الساعات وتنقضي الأيام ونحن ننتظر الزيارة على أحر من الجمر، وعشية الزيارة لا أذوق للنوم طعما من شدة الفرحة بلقاء ابني، والاطمئنان عليه وسماع صوته المسلوب".
ومع ساعات الفجر تتوجه ياسين، يوم الزيارة، إلى مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر وتصلي الفجر هناك وتدعو المولى عز وجل أن يفرج عن جميع الأسرى ويخفف من مصابهم، وبعد تجمع الأهالي (المقررة زيارتهم) تتوجه بهم الحافلة إلى حاجز بيت حانون (إيرز) شمال قطاع غزة.
وتؤكد والدة الأسير أن سلطات الاحتلال تمارس التفتيش المهين والمذل لأهالي الأسرى عبر الحواجز العسكرية في محاولة لإهانتهم والتنغيص عليهم ومنعهم من زيارة أبنائهم.
أهواء إسرائيلية
و"بعد نحو ثلاث ساعات أو أكثر من الانتظار تبدأ قوات الاحتلال بتفتيش أهالي الأسرى بشكل دقيق وعبر أجهزة الكترونية مثبتة في ممرات وصالات الانتظار في حاجز بيت حانون ويتم السماح لهم باجتيازه أو إعادتهم إلى القطاع ويتوقف ذلك على مزاج وأهواء جنود الاحتلال"، وفق "تهاني" شقيقة الأسير عماد شحادة.
وتسمح سلطات الاحتلال لـ "تهاني"، بزيارة نجلها في سجن "الشارون" والذي يقضي حكما بالسجن 47 عاما، كل ستة أشهر مرة، فيما تحرم جميع أفراد أسرته من زيارته، "بدواعٍ أمنية".
ولا تكتفي قوات الاحتلال بالفحص بواسطة الأجهزة الالكترونية، بل تتبعه بتفتيش يدوي مهين، ويتم خلاله منع الأهالي من اصطحاب أي شيء للزيارة سواء من طعام أو شراب أو ملابس يحتاجها الأسير، والقول لا زال لشقيقة الأسير.
وتكمل: "بعد انتهاء عمليات التفتيش، تنطلق الحافلات متجهة إلى السجون التي يقبع بها الأسرى، وسط حراسة مشددة من قوات الاحتلال، وعند الوصول لبوابات السجن تستكمل رحلة عذاب والإذلال لذوي الأسرى".
بوابة السجن
وتشير آسيا أبو عاذرة والدة الأسير دفاع أبو عاذرة إلى طلب قوات الاحتلال وقت وصول الحافلة لبوابات السجن بالنزول منها والانتظار لحين فتح البوابة الرئيسة ومن ثم السير للعدّ، ويتم تجريد الأهالي من كافة أغراضهم الشخصية لتفتيشها وإرجاع الملابس وكل ما يحتاجه الأسرى.
وتقول: "بعد ذلك تدقق قوات الاحتلال في بطاقات الأهالي الشخصية، وتتركهم لساعات لحين السماح لهم بالزيارة.. وعند الدخول تحرم إدارة السجون الأهالي الحديث مع الأسير إلا من خلال جدار زجاجي وسماعة هاتف معلقة فيه يتم من خلالها الحديث مع الأسير".
وتضيف: "نتبادل طوال فترة الزيارة المقدرة بخمس وأربعين دقيقة الحديث والاطمئنان على بعض، وأنقل له سلامات أخوته والأقارب والجيران، وأتعرف على أوضاعه الصحية وزملائه في داخل السجون".
وتكمل أبو عاذرة: "رغم رداءة الصوت وتقطعه المستمر، نكمل حديثنا، وفي بعض الأوقات نتحدث بلغة الإشارة لحين تحسن الصوت"، مشيرة إلى أن رداءة الصوت "تنغيص إسرائيلي مقصود".
وبعد الانتهاء من الزيارة، يغادر أهالي الأسرى السجن وقد شارفت الشمس على المغيب، على أمل العودة في المرة المقبلة، وعدم حرمانهم تحت ذرائع أمنية.
وتعتقل سلطات الاحتلال نحو 6500 أسير فلسطيني بينهم 450 أسيرًا إداريًّا تمارس بحقهم جرائم مخالفة لكافة الأعراف والقوانين الدولية وتحرمهم أبسط حقوقهم الإنسانية.

