قلنا نحن وغيرنا: إن أميركا وإسرائيل تعاديان الإسلام نفسه، ولا تعاديان فريقا متشددا من أتباعه مثلا. هذه الحقيقة ظهرت ناصعة في مواقف عديدة على المستوى الرسمي، والآن تظهر بشكل سافر فيما يسمى مشروع النائب الجمهوري في الكونجرس تيد كروز الذي يطالب في مشروع قرار له قدمه للكونجرس باعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية؟!
بالطبع وكرد فعل طبيعي استنكرت جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الخميس ١٢/١/٢٠١٧م، مشروع القرار الذي يطالب بتصنيفها كـ"منظمة إرهابية"، محذرة من أنه قد يؤدي إلى "مزيد من التوتر وتقليل مساحة الاعتدال".
إن من يتأمل بعمق توجهات أميركا في عهد ترامب نحو الشرق الأوسط، يجد أن أميركا لا تدخر وسعا في تسريع خدماتها لدولة (إسرائيل) على حساب الفلسطينيين، والعالم العربي والإسلامي أيضا حتى على حساب تسامح الشرائع السماوية.
إنه من المعلوم أن جماعة الإخوان المسلمين، وعمرها (٨٨) عاما هي كبرى الحركات الإسلامية المعتدلة والوسطية في العالم، ولم تقم بأي أعمال عسكرية البتة لا داخل مصر ولا خارجها، ولكنها تعادي في أدبيتها العدو الإسرائيلي، وتطالب بتحرير فلسطين، وتؤيد الحقوق الفلسطينية.
إن كل أميركي يريد أن يتقرب من (إسرائيل) وجمهور الصهيونيين في أميركا يلجأ إلى دعم (إسرائيل)، وهذا عادة ما يكون على حساب الإسلام، وعلى حساب الحقوق الفلسطينية والعربية. ومن هذه القاعدة نبع مشروع كروز لوصف الإخوان المسلمين بالإرهاب، ومن عين القاعدة نبع مشروع ترامب لنقل السفارة الأميركية إلى القدس؟!
حين وضعت مصر في عهد عبد الفتاح السيسي الإخوان على قائمة الإرهاب كان فعلها يقوم على قاعدة الاختلاف السياسي بين الإخوان ونظام حكم الجيش، وكانت حكومة أوباما الديمقراطية وبريطانيا تتعامل مع حكومة الإخوان قبل ذلك، ولا ترى في الإخوان منظمة متطرفة.
في القانون الأميركي يعرفون الإرهاب بالاعتداء العسكري على المدنيين العزل، وتاريخ الإخوان في مصر وغيرها يخلو من هذا العدوان، بل إن خصومة الإخوان مع النظام المصري هي خصومة سلمية (سلميتنا أقوى من الرصاص)، والإخوان المسلمون ينتشرون في العالم وفي البلاد العربية، وبعضهم يشارك في الحكم، وفي الحياة الحزبية في بلادهم، فكيف لدولة مثل أميركا أن تقفز عن كل هذه الاعتبارات الحقيقية لتمرير مشروع كروز البائس، الذي سيضر بأميركا ومصالحها أكثر مما يضر بالإخوان أنفسهم.
وأنا أؤيد الفكرة التي تقول إن مشروع قرار كروز إذا ما صار قانونا سيزيد مساحة التطرف في العالم، ولن يعالج مشكلة الإرهاب، بل سيحشر الإسلاميين في الزاوية، فلا يجدون متنفسًا للعمل إلا من خلال العداء للعالم، والعنف ضد سياسات أميركا.