فلسطين أون لاين

"أُمُّ الجميع".. صمود في بيت يعزله الاستيطان

...
حفل ميلاد الحاجة جميلة شلالدة أمام مستوطنة إسرائيلية
الخليل/ طلال النبيه:

منذ 31 عاماً، تقطن الحاجة جميلة شلالدة في بيتها الواقع على شارع الشهداء، في مدينة الخليل، مقابل مستوطنة "بيت هداسا"، حيث "حاجز الموت" الإسرائيلي، متحدية بصمودها مشاريع الاستيطان التي تحاول تهجيرها.

وفي ليلة ميلادها، الـ 56 تفاجأت الحاجة "أم الجميع" وفق ما يحب أن يناديها أهالي المدينة، بإشعال شباب تجمع ضد الاستيطان ومتضامنون أجانب، شموع الفرح والصمود أمام منزلها، وسط اعتداءات عنصرية من المستوطنين وجنود الاحتلال الذين حاولوا تفريق المحتفلين.

أجواء الاحتفال التي عايشتها الحاجة شلالدة المكناة "أم العبد" لأول مرة منذ سنوات، لم تدع اعتداءات الاحتلال مجالا للشباب المتضامن لإتمام فرحتها التي رافقتها بدموع الألم والأمل، فرحةٌ بتواجد الشباب الفلسطيني، الذي تحدى الحواجز وجنود الاحتلال ووصل إلى منزلها، وحزنٌ على معاناتها الكبيرة.

ويمنع جنود عائلة شلالدة وأهلها وأصدقاءها من الدخول للمنزل أو الاحتفال معها في المناسبات الخاصة، إلا بعد تسجيل دقيق لهويات من يرغب بزيارتها مروراً بالحواجز العسكرية الواقعة في شارع الشهداء.

وأغلقت قوات الاحتلال الشارع الواقع في قلب مدينة الخليل منذ 25 عاماً، بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، إذ يعد حلقة الوصل بين شمال المدينة وجنوبها.

سجن كبير

وتصف الحاجة "أم العبد" في حديث لصحيفة "فلسطين"، بيتها بـ"الثكنة العسكرية والسجن الكبير"، نتيجة إحاطته بالحواجز الإسرائيلية العسكرية من جهات عدة، وقربه من مستوطنة "الدبويا"، أو ما تعرف بـ "بيت هداسا"، التي أقيمت عام 1979، كأول مستوطنة في الخليل.

واعتقلت "أم العبد" أكثر من 25 مرة، مما دعاها لعدم الخروج من بيتها بشكل متكرر، لتعرضها الدائم للتفتيش والإذلال الكبير من جنود الاحتلال، مؤكدة صمودها أمام اعتداءاته المتكررة على بيتها.

ويدفع موقع بيتها الإستراتيجي قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين للاعتداء عليها وعلى بيتها وأبنائها، مشيرة إلى أن البيت أصبح "ساحة حرب، إذ اقتحمه ذات مرة أكثر من 150 مستوطنا".

وكانت الحاجة الخمسينية، شاهد عيان على عديد جرائم الاحتلال، بإعدام جنوده لعدد من الشباب، وكذلك الفتيات، ومن أبرزهن الشهيدة هديل الهشلمون، التي أعدمها جيش الاحتلال على (حاجز 56)، قبل 3 سنوات في 22 سبتمبر/ أيلول 2015.

وتلفت الحاجة "أم العبد" إلى إنها تستمد صمودها من مساندة والدتها البالغة من العمر (90 عاماً) حيث تقطع عشرات الكيلومترات من بلدة بيت سعير، وصولاً لمنزلها دعماً ودفاعاً عنها من اعتداءات جنود الاحتلال والمستوطنين.

تقصير رسمي

وبعد تنهيدة وجع خرجت من أعماق قلبها، تشتكي "أم الجميع" والحسرة تدمي قلبها، من نسيان منزلها من المسؤولين في السلطة الفلسطينية، وعدم تعزيز هوية الفلسطينيين في شارع الشهداء "المنسي كما منزلها" وفق وصفها.

وأشارت إلى عدم احتياجها للدعم المالي، "نحتاج دعماً معنوياً، ولم يزرني أحد خلال السنوات الماضية لا بيوم المرأة ولا بعيد الأم".

وقالت والحشرجة تقطع صوتها: "المستوطنون وقوات الاحتلال يريدون تهجيري والسيطرة على بيتي بالقوة، ومعظم البيوت في شارع الشهداء هاجر أهلها وهي فارغة بفعل اعتداءات المستوطنين".

وأضافت: "احنا ليش متواجدين هنا؟، عشان نبقى صامدين، ومنذ 30 عاما وأكثر محافظة على البيت، ولن نهاجر".

ويتكون البيت البالغة مساحته نحو 300م2، من طابق أرضي مقسم إلى 5 غرف، تقطن فيه "أم العبد" برفقة أبنائها وبناتها المتزوجات اللواتي يقدمن لبيتهن لتعزيز صمود والدتهن.

تعزيز الهوية الفلسطينية

ويقول الناشط في مجال مواجهة الاستيطان، عزات الكركي: "إن حفل الميلاد الذي أقامه تجمع شباب ضد الاستيطان، جاء دعماً لصمود الحاجة شلالدة وتعزيزاً للهوية الفلسطينية أمام مشاريع تهويد مدينة الخليل وحرمها الإبراهيمي".

وأضاف الكركي، وهو منسق تجمع شباب ضد الاستيطان لـ "فلسطين": "احتفلنا في الشارع أمام قطعان المستوطنين وجنود الاحتلال، وتحدينا إجراءات الاحتلال القمعية بحضور 30 ناشطا فلسطينيا وأجنبيا ومواطنين من مدينة الخليل".

وأوضح الناشط أن منطقة شارع الشهداء تعاني من الإغلاق الكامل، لخضوعها للسيطرة الإسرائيلية، وتنفيذ القانون العسكري الإسرائيلي على من يقطن بها من الفلسطينيين.

وقال: "شارع الشهداء يوجد به أكثر من 1827 محلا مغلقا، و1040 بيتا فارغا، لا يستطيع أصحابها الوصول لها بسبب الإغلاق المستمر منذ 25 عاماً".

خطيئة أوسلو

بدوره، أكد الحقوقي عيسى عمرو أهمية إيجاد خطط وبرامج وطنية قائمة على الوحدة الوطنية لمواجهة مشاريع الاستيطان الإسرائيلية، معبراً عن أسفه لعدم وجود برنامج سياسي مقاوم لدعم المواطن الفلسطيني.

وقال عمرو لـ "فلسطين": "خطط مواجهة الاستيطان من قبل السلطة الفلسطينية ضعيفة وغير كافية"، داعياً إلى التركيز على المقاومة الشعبية ودعمها وتحديدها كإحدى أولويات الشعب الفلسطيني.

وأوضح أن الأخطاء التي حدثت من خلال "أوسلو" أو التفاوض العبثي أعطى الاحتلال الوقت الكافي لدعم الاستيطان وتقويته لمحاولة شرعنته في المجتمع الدولي.

وشدد على أن الشعب الفلسطيني ينتظر خطوات عملية على الأرض وليس خطابات في الأمم المتحدة ومنصاتها مع أهمية التواجد بها، وفق قوله، مطالباً بضرورة مواجهة الدعم الأمريكي غير المحدود والأعمى لدولة الاحتلال الإسرائيلي.