من جديد تعود قضية الجنديين الإسرائيليين الأسرى لدى المقاومة في قطاع غزة لتتصدر عناوين الأخبار، الفلسطينية والإسرائيلية، بعد أن خبت فترة من الوقت، لكنها عادت في الأيام الأخيرة بصورة لافتة، حتى أنها تجاوزت التقارير الصحفية لتصل إلى تبادل التصريحات بين قادة حماس والوزراء الإسرائيليين.
جاءت العودة اللافتة لموضوع الجنديين الأسرى الإسرائيليين، وليس باقي الأسرى الإسرائيليين، عبر خطوات لافتة، تمثلت أولاها فيما أورده بنيامين رئيس الحكومة الإسرائيلية بخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، من مطالبته بالتدخل لدى حماس للإفراج عن الجنود الأسرى لديها.
في وقت لاحق، طرح نتنياهو ذات الموضوع خلال لقائه بالأمين العام للأمم المتحدة، وحمل المنظمة الدولية مسؤولية أسر أحد الجنديين لأنه تم خلال ساعات وقف إطلاق النار التي أشرفت عليها خلال حرب غزة 2014.
جاءت الخطوة الثالثة للخطاب باصطحاب نتنياهو لعائلة الجندي الأسير هدار غولدن في رحلته الأممية هذه، وتنظيمها لقاء مع ممثلي الدول المشاركة في المؤتمر الخاص للدول المانحة لقطاع غزة، واشتراط تقديم أي أموال أو مساعدات لغزة بالإفراج عن جنديها الأسير.
رابع الخطوات جاءت بعد تحييد هذا الملف في الأسابيع الماضية، حيث عادت إسرائيل، بطرحه مجددًا أمام المسؤولين الدوليين، كشرط لإحداث أي تقدم بملف التهدئة مع حماس، وإفساح المجال للمشاريع الإنسانية وإعمار للقطاع.
كما كان متوقعًا، لم تتأخر حماس كثيرًا، وأعلن قادتها، أن فتح ملف الأسرى الإسرائيليين يتطلب دفع ثمن كبير، يعلمه الإسرائيليون جيدًا، مما يعني أن هذا الملف ما زال في طور تفعيل الضغط الخارجي على الجانبين.
كثيرة هي الأسباب التي تجعل من إعادة فتح ملف الأسرى الإسرائيليين بغزة في هذه الآونة غير متاحة، وهي أسباب فلسطينية وإسرائيلية، مع أن هذا الملف الذي يشكل كنزا كبيرا بيد المقاومة تستطيع من خلال تحريكه إثارة كثير من الأطراف، فضلا عن أوساط داخل إسرائيل للضغط على الحكومة التي تتجاهله حتى الآن.
أدرك أن الموضوع حساس جدًّا، وله اعتبارات كثيرة، وأن الآلاف من أحرار الشعب الفلسطيني خلف القضبان ينتظرون بفارغ الصبر إبرام صفقة مشرفة كسابقتها، تعتقهم من قبضة السجان، لكن ورقة الجنود الأسرى بيد المقاومة كنز ثمين، يمكن استغلالها وتوظيفها، بصورة كبيرة، في التعامل مع الأزمة المحدقة بغزة.
أخيرًا.. صحيح أن الأسرى الإسرائيليين يقابلهم أسرى فلسطينيون، وأن المقاومة قطعت على نفسها عهدا للقادة خلف القضبان بتحريرهم في صفقة قادمة، لكن العمل السياسي مفتوح على كل الخيارات، ويمكن للمفاوض الماهر عبر تفكيك الملفات وإدارة الأوراق أن تجعلها تخدمه: تكتيكيًا وإستراتيجيًا، بحيث يحول التهديد إلى فرصة، وفي الوقت ذاته لا يجعل من الذخر عبئًا!