حاول نتنياهو أن يتجاهل القضية الفلسطينية نهائيًا، وكأنها أصبحت بحكم المنتهية، وقفز عنها إلى أوروبا وإيران وحزب والله والنووي والتكنولوجيا والموساد، ولم يذكر نتنياهو من فلسطين إلا الجنود الصهاينة الأسرى لدى المقاومة في قطاع غزة.
وحاول عباس أن يتجاهل اتخاذ أي قرار يتعلق بالقضية الفلسطينية، واكتفى بالوصف الخارجي لمظاهر الاحتلال، ولكن حين وصل إلى غزة، اشتد ساعده، وعلت نبرة صوته، وحسم أمره، وقرر أن أيام الحياة على وجه غزة معدودة، مجرد أن يعقد جلسة المجلس المركزي.
فهل ضعفت غزة، وضجت من الجوع والتعب إلى الحد الذي صار سهلًا على محمود عباس أن يمتطي صهوتها، ويمسك لجامها، ويفرض عليها تخطو وفق منهاجه السياسي؟
أزعم أن محمود عباس لن يقدر، وإن كان بإمكانه فرض المزيد من العقوبات على غزة، وإغلاق البنوك، وعدم تحويل الأموال، وقطع الكهرباء بالكامل، وقطع الأرزاق وقطع الأعناق وإغلاق الأسواق، ولكن إلى حين، فالعالم الخارجي الذي تحركه إسرائيل، وتضبط خطواته وفق مصالحها الاستراتيجية، هذا العالم لا يرضى لأهل غزة أن يعيشوا بلا كهرباء وبلا صرف صحي، وبلا دواء، وبلا رواتب، هذا العالم الذي تحركه دولة إسرائيل لا يوافق على حرق غزة بعقوبات عباس، خشية امتداد نيران غزة ولهيبها إلى مطار بن غوريون، وبقية المدن والمصالح الإسرائيلية.
لما سبق، طالب نتنياهو من السيسي في لقائهما الأخير أن يضغط على عباس بشأن غزة، فهل كان المطلوب أن يتراجع عباس عن العقوبات التي سيفرضها على غزة؟ أم المطلوب أن يتراجع عباس عن شروطه التي وضعها لتحمل المسؤولية الكاملة في غزة؟
للإجابة عن الأسئلة السابقة لا بُدّ من إعادة صياغتها بشكل آخر:
1ـ هل يستطيع عباس فرض عقوبات على غزة دون تنسيق أمني واقتصادي مع الإسرائيليين؟
2ـ وهل لعباس القوة والقدرة على الوقوف في وجه تهدئة تسعى لها إسرائيل، وترغب بها؟
الإجابة عن السؤالين السابقين تقول: لا، لا يقدر عباس وحده، لأنه جزء أساسي من منظومة العمل الهادفة إلى حصار غزة، وقطع شرايين الحياة عنها، ولكن بمقدار، ولغاية معلومة النتائج تقوم على قطع الحبل السري الواصل بين غزة والضفة الغربية، هذا القطع الذي أعلن عنه عباس في الأمم المتحدة، سيحرك أطرافًا دولية وعربية عديدة لسد العجز، وتغطية النقص، بما في ذلك رواتب موظفي سلطة رام الله وموظفي حركة حماس، وثمن الكهرباء، وإيجاد فرص عمل، وإقامة مشاريع تطويرية، عقدت الرباعية الدولية اجتماعًا بشأنها قبل أيام، وبحضور الأمم المتحدة وأمريكا والاتحاد الأوروبي وروسيا، وبحضور الوزير الإسرائيلي تساحي هنجبي، ومنسق الحكومة الإسرائيلي في المناطق الجنرال كميل أبو ركن، وتم التوافق على تجنيد 360 مليون دولار كدفعة أولى لصالح غزة، منها مبلغ 50 مليون دولار لتحسين أحوال الكهرباء في غزة.
نحن أمام خطوات مدروسة، لفصل غزة عن الضفة الغربية، وفي غضون شهرين من الآن، وهي الفترة الزمنية التي حددها ترامب للإعلان عن صفقة القرن، لذلك ستكون قرارات محمود عباس في الأيام القادمة ضد غزة جزء من هذه الصفقة.
فما العمل؟ ومن يمتلك عصا موسى السحرية، التي ستأكل حيات المنظرين لصفقة القرن؟
أزعم أن الضفة الغربية هي كلمة السر، وهي القوة النووية الفلسطينية القادرة على الانتفاض، والانقضاض على طاولة المفاوضات التي يسعى للملمة أطرافها محمود عباس، الضفة الغربية هي القوة الضاربة للشعب الفلسطيني، وهي القادرة على الوقوف في وجه عباس الذي يتعاون أمنيًا مع المخابرات الإسرائيلية ضد الأرض الفلسطينية، أما غزة الجائعة فلا خوف عليها، فغزة تمتلك قوة مسيرات العودة، وتمتلك سلاح المقاومة، وتمتلك إرادتها التامة، دون أي تدخل إسرائيلي أو خارجي في قرارها، وستثبت الأيام القادمة أن لغزة قامة تاريخية وحضارية وإنسانية وجماهيرية وسياسية أطول من مشنقة محمود عباس، وهي تمد يدها لأهلها في الضفة الغربية.