ليس بدعًا على هذه المحكمة أن تتخذ القرار بإجلاء سكان الخان الأحمر وهدم بيوتهم ، هي بهذا تنسجم وتتماهى تماما مع حالة التطهير العرقي للشعب الفلسطيني . الأكثر بشاعة وصلفا في الموضوع أن تأخذ الجريمة وهذا الاعتداء السافر شكلا قانونيا وأن تقره محكمة .. ولكن عهدنا بهذه المحكمة هو هذا, إذ إن آلاف القضايا رفعت اليها وكان قرارها عنصريا ، على سبيل المثال : تم رفع قضايا كثيرة بخصوص الاعتقال الاداري ومظلومية ان يحاكم المعتقل على قرار سري تعده المخابرات الاسرائيلية ، وكانت هذه المحكمة تحكم بمقتضى هذا التقرير السري ، هم يجيدون ويتقنون شكل المحكمة والاجراءات القانونية ويوفرون فيها كل شيء الا عنصرا واحدا مفقودا وهو العدل ، حتى انهم يفتحون بابا واسعا للمحكمة العليا على الطريق العام ليحضر جلساتها من يشاء من عامة الناس ، امعانا منهم في اظهار الشفافية والعدالة وفي نفس الوقت لا يعرف المعتقل الفلسطيني على ماذا يحاكم .
لنتصور واقع الاحتلال كما هو ، احتلوا بلدا وطردوا أهله منه وسيطروا على ارضه ومدنه وقراه وحدوده ومياهه حقوله وكل مقدراته ثم أنشؤوا محكمة عناصرها من اصحاب السوابق ومشاركين حتى النخاع في هذه الجريمة ، ماذا تراهم يحكمون ، رجال القضاء عندهم ذئاب مفترسة ، فهل نتوقع منهم ان لا يجيزوا لسلطات الاحتلال فعلها في طرد سكان الخان الاحمر ، هي محكمة احتلال لا يجوز ان يتوقع منها غير هذا .. ولكنه عار معلق في رقابهم لأن هناك فرقا بين من يرتكب الجريمة وبين من يشرع ارتكابها.
ما يجري في الخان الاحمر هو إنعاش للذاكرة واحياء من جديد للنكبة الفلسطينية بكل أبعادها ، كل من يحاول اللعب في النار والعبث في حق العودة او ان يتفلسف سياسيا ويبحث عن بدائل ما هو الا هراء ومصيره الفشل الذريع ، لا يمكن ان ينسى الفلسطيني ما حدث معه سنة ثمانية واربعين ، هذه الكارثة بحجمها الكبير لا يمكن ان تندثر كما يحلم المجرمون وكل من ساهم أو دعم اجرامهم ، وهذا دأب كل امة المت بها كارثة بهذا الحجم لا يمكن ان تنساها ، هل ينسى اعداؤنا الهولوكوست وما الم بهم من النازية وحكم هتلر في المانيا ؟ فكيف ينسى الفلسطيني ما جرى لبلده من تطهير عرقي وسيطرة غاشمة بقوة السلاح ومن خلال ما ارتكبوا من مجازر وجرائم .
ما يجري على ارض الخان الاحمر هو صورة مصغرة لما جرى على ارض كل فلسطين ، كان الاجرام مهولا وبشعا وساديا وقامت دولة على أشلاء بشر ودماء شعب تم اجتثاثه من وطنه وما زال لليوم مشردا ، فما تفعلونه اليوم هو امتداد لما أنتم عليه منذ سبعة عقود من زمانكم الاحتلالي الاسود . ها هم الاحفاد متمسكون بحقهم ولم ينسوا كما كنتم تتوقعون ، اذا نسيتم الهولوكوست فلن ينسى الفلسطيني نكبته بكم وما فعل به اجرامكم . الخان الاحمر شاهد واحياء لهذه الذاكرة الفاجعة.