منذ انطلاق الحجر الأول لانتفاضة الأقصى، وشرارتها الأولى من ساحات وشوارع مدينة القدس المحتلة، وباحات المسجد الأقصى، حاول الاحتلال الإسرائيلي مواجهة الانتفاضة وشرارتها بإقرار ما أسماها "قوانين"، وإجراءات عنصرية، لسلب الإرادة الفلسطينية من أهالي القدس، لوقف الانتفاضة ومنع تطوير أساليبها وأدواتها.
ومع مرور 18 عامًا على انطلاق انتفاضة الأقصى أقر "الكنيست" الإسرائيلي قوانين وإجراءات عنصرية عملت على سلب الأراضي المقدسية وسحب هويات المقدسيين بذرائع مختلفة، فضلًا عن التهجير والإبعاد قسرًا لكل من يواجه سياسات الاحتلال الذي قسم الأقصى زمانًا ومكانًا، ويهاجم مستوطنيه وجنوده.
وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى إثر اقتحام مجرم الحرب أرييل شارون المسجد الأقصى في 28 أيلول (سبتمبر) 2000م قرر الأخير في 2002م إقامة جدار الفصل العنصري، باقتطاع مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في الضفة الغربية، دون مراعاة حتى لما يعرف بحدود 1967م.
وسن كيان الاحتلال وأحزابه قوانين عنصرية مناهضة لحقوق الشعب الفلسطيني، مقابل دعمها للاحتلال والاستيطان وتقسيم الأقصى مكانيًّا وزمانيًّا، واستهداف الوجود الفلسطيني، لكن الفلسطينيون نجحوا في التقليل من آثارها، والاستمرار في الانتفاضة.
وبموجب ما يسمى قانون "المواطنة والدخول إلى (إسرائيل)" الذي أقر سنة 2003م يمنع لم شمل العائلات الفلسطينية التي فيها أحد الزوجين من فلسطين المحتلة سنة 1948م، والآخر من سكّان الضفة الغربية أو قطاع غزّة.
وعمل كيان الاحتلال على السيطرة على الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 2010م بما يسمى قانون "إدارة الأراضي في (إسرائيل) ومصادرتها لأغراض عامة"، الذي يسمح بمصادرة أراضي الفلسطينيين في فلسطين المحتلة سنة 1948م، وبناء المستوطنات في شرقي القدس.
وفي 2014م أقر "الكنيست" قانون "مكافحة (ما يزعم أنه) الإرهاب"، الذي يستهدف أهالي القدس بإبعادهم عن حدود فلسطين المحتلة سنة 1948م، بزعم تنفيذ أعمال فدائية.
ويحتوي القانون الموسّع على مئات البنود والأحكام التي أتت في أكثر من 100 صفحة، وتوفّر أدوات جديدة للاحتلال، إلى جانب تكريس قسم من قوانين الطوارئ الوحشيّة السارية منذ عهد الاحتلال البريطانيّ والتعليمات المؤقتة الصادرة، الرامية إلى قمع نضال فلسطينيي الداخل المحتل، وملاحقة نشاطاتهم المساندة للفلسطينيين في الضفة الغربيّة وقطاع غزّة.
وينص القانون على منع تشييع الفلسطينيين منفذي العمليات الفدائية، ورفض تسليم جثامينهم لذويهم، ودفنهم بـ"مقابر الأرقام"، وهدم منزل كل من ينفذ عملية قتل فيها إسرائيليين خلال 24 ساعة من تنفيذ العملية.
وفي 2015م عدل "الكنيست" قانون "العقوبات"، إذ أصبحت عقوبة إلقاء الحجر كعقوبة الطعن بالسكين، وفرض حدًّا أدنى للعقوبة ثلاث سنوات، فضلًا عن سحب حقوق اجتماعية من أهالي قاصرين أدانتهم محاكم الاحتلال بإلقاء حجر أو عمل مشابه، وفرض غرامات مالية على أهالي القاصرين، أو الحصول منهم على تعهدات.
وفي كانون الثاني (يناير) 2018م أقر "الكنيست" أخطر القوانين العنصرية على القدس المحتلة والقضية الفلسطينية بموافقته على ما يعرف بقانون "القومية اليهودية"، زاعمًا أن المدينة المقدسة "عاصمة" لما يسمى (إسرائيل)، وأن العبرية هي لغة الأخيرة، وغير ذلك.
ويشرعن الاحتلال الإسرائيلي بهذا القانون التمييز العنصري ضد العرب الفلسطينيين، ضاربًا عرض الحائط بالقرارات الأممية المؤكدة حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين، ومنها القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 كانون الأول (ديسمبر) 1948م.
واستغل كيان الاحتلال اعتراف الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب بالقدس المحتلة "عاصمة" له.
مقاومة مستمرة
وقال النائب الفلسطيني في "الكنيست"، طلب أبو عرار، لصحيفة "فلسطين": "إن القوانين العنصرية أقرت بدعم من الإدارة الأمريكية، لتشديد القبضة على القدس واحتلالها وتوسيع الاستيطان فيها".
وأضاف أبو عرار: "(إسرائيل) تفعل ما تشاء، وتعيث في الأرض فسادًا، لكن أهالي القدس والداخل المحتل يواجهون هذه القرارات والقوانين العنصرية، ويثبتون إسلامية وقدسية القدس ومقدساتها أمام مشاريع التهويد".
تابع: "كل القوانين لم تمنعنا من الاستمرار في مواجهة عنصرية الاحتلال الإسرائيلي، ولا تردعنا عن الدفاع عن مقدساتنا".
وبين أبو عرار أن النواب الفلسطينيين في "الكنيست" عملوا على مواجهة القرارات وتجميد جزء منها، وتدويل القضية الفلسطينية العادلة، قائلًا: "نحن جزء لا يتجزأ من شعبنا الفلسطيني، ونتصدى للقوانين العنصرية".
من جهته أكد النائب عن كتلة التغيير والإصلاح في المجلس التشريعي الفلسطيني فتحي القرعاوي أن معركة الشعب الفلسطيني ليست عابرة، بل هي قانونية شرعية شرعتها كل القوانين والمواثيق الدولية، إذ أكدت أحقيته في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
وقال القرعاوي لصحيفة "فلسطين": "إن الشعب الفلسطيني فتّح عينيه على الاحتلال والاستعمار بمراحله المختلفة، ولن يستطيع أحد هضم حقه في المقاومة وحمل السلاح".
وبين أن انتفاضتي الحجارة والأقصى جاءتا في أوقات صعبة يعيش فيها الشعب الفلسطيني، في ظل اتفاقيات دولية لتصفية القضية الفلسطينية، وإجهاض الانتفاضتين.
وشدد على أن المقاوم الفلسطيني أبدع رغم كل الظروف الأمنية التي أحاطت به، وقاوم الاحتلال وفاجأه بطرق وأساليب مختلفة، مؤكدًا أنه لا تنازل عن الحقوق والثوابت الفلسطينية المشروعة رغم القبضة الأمنية للاحتلال وأجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية.