18 عامًا مرت على الجريمة التي ارتكبها جنود الاحتلال الإسرائيلي بحق الطفل الشهيد محمد الدرة، في 30 أيلول (سبتمبر) 2000م وسط قطاع غزة، إذ التقطت عدسة مصور فرنسي الجريمة التي حفرت في ذاكرة عائلة الطفل الشهيد، لتبقى شاهدًا على عجز دولي وإنساني عن محاسبة الاحتلال على جرائمه بحق الفلسطينيين.
ولد محمد جمال الدرة في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1988م بمخيم البريج وسط قطاع غزة، وعاش في كنف أسرة تعود أصولها إلى مدينة الرملة المحتلة سنة 1948م.
ومهما مضى الزمن فستبقى تلك المشاهد حاضرة في ذاكرة العالم، حيث صورة الأب الذي حاول حماية ابنه بجسده الضعيف من رصاصات الغدر، وصرخاته النازفة المصحوبة بصوت الأعيرة النارية: "مات الولد برصاصة".
وفي مشهد أبكى البشرية وهز ضمائر الإنسانية حاول الأب دون جدوى أن يحمي ابنه بكل قواه، لكن الرصاص اخترق جسده، ثم أصيب محمد بأول طلقة في رجله اليمنى وصرخ: "أصابوني"، ليتفاجأ الأب بعد ذلك بخروج الرصاص من ظهر ابنه، ثم ارتقى شهيدًا على ساق أبيه.
قال جمال الدرة والد الطفل الشهيد: "محمد استشهد في أحضاني أمام مرأى العالم، كنت أحاول أن أحميه بجسدي حتى لا يصاب، لكن هذا قدرنا، الحمد لله على كل حال".
وأضاف لصحيفة "فلسطين": "ذكرى استشهاد محمد مؤلمة جدًّا لي وللشعب الفلسطيني، والأمة العربية والإسلامية".
وأكد الوالد الدرة أن قضية محمد فضحت الاحتلال الذي لا يتورع عن قتل الأطفال، وعرّته أمام العالم الذي لا يزال يسكت عن جرائمه.
وأصبح الشهيد محمد أيقونة انتفاضة الأقصى ومُلهمها، وصورتها الإنسانية في مشهد لن ينساه العالم.
محمد الدرة ومحمد أبو خضير وقائمة طويلة من الأطفال الذين قتلتهم آلة البطش الاحتلالية باتوا عنوانًا لما يعانيه الطفل الفلسطيني من ويلات الاحتلال الإسرائيلي، وملخصًا لحكايات تكشف مدى جرم ووحشية الاحتلال الذي لا يتورع عن قتل الأطفال الفلسطينيين.
وقتل الاحتلال أكثر من 728 طفلًا فلسطينيًّا منذ 2000م حتى 2005م، وفق الإحصائية التي أصدرتها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في الضفة الغربية المحتلة، وبلغ عدد الشهداء الأطفال حتى العام الجاري 2069 شهيدًا.
جرائم مزدوجة
بدوره عدّ المدير العام للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في فلسطين المحامي خالد قزمار الحديث عن الشهداء الأطفال بلغة الأرقام أمرًا مرفوضًا البتة، مستدركًا بالقول: "لكن الأرقام تتحدث عن نفسها".
وأكد قزمار أن سياسة الاحتلال في قتل الأطفال الفلسطينيين ممنهجة، وأحد الانتهاكات الجسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة (آب (أغسطس) 1949مممم) التي تحدثت عن حماية المدنيين تحت الاحتلال، مشيرًا إلى أنها جرائم مزدوجة كون الاحتلال ملزمًا بحماية الأطفال الواقعين تحته.
أضاف لصحيفة "فلسطين": "هي جرائم مزدوجة لأن الاحتلال بدلًا من حماية الأطفال يرعى عمليات قتلهم، ولم يكلف نفسه في أي مناسبة دولية بعمليات تحقيق أو محاسبة للجنود مرتكبي جرائم قتل الأطفال، بل يحميهم".
وبين قزمار أن استهداف الأطفال فيه استهداف لمجمل حقوق الطفل، فالأطفال الذين يسلمون من القتل لا يسلمون من الإصابة أو الاعتقال، إذ يوجد عشرات الآلاف من الأطفال مصابون بفعل الاحتلال، وآلاف يقبعون في سجونه ويعذبون.
تابع: "استهداف الأطفال بهذه الطريقة يرمي إلى أمرين: الأول هو التأثير في نفسية هؤلاء الأطفال ومستقبلهم وإخراجهم من دائرة الصراع مع الاحتلال، والآخر استهداف للمستقبل الفلسطيني، فالاحتلال يعلم أن الأطفال هم قادة المستقبل، وحين يعمل ضدهم ذلك يعني استهدافهم واستهداف المستقبل الفلسطيني".
أكمل قزمار: "حماية الأطفال منصوص عليها في كل المعايير الدولية لحقوق الإنسان: القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان"، مشيرًا إلى أن الانتهاكات لحقوقهم مستمرة.
وأشار إلى فشل السلطة الفلسطينية في استخدام القانون الدولي في مواجهة الاحتلال، مؤكدًا عدم وجود إرادة سياسية لدى مجلس الأمن لتطبيق القانون الدولي من أجل تقديم الحماية، معربًا عن أسفه على ذلك، إذ يستطيع هذا المجلس بقرار واحد –إن توافرت الإرادة- فرض الحماية والحصانة للأطفال الفلسطينيين من بطش الاحتلال.
وطالب المدير العام "للحركة العالمية" المستويات الرسمية والشعبية الفلسطينية كافة بالتكاتف والتوحد في مواجهة سياسيات الاحتلال الممنهجة في قتل الأطفال، مشيرًا إلى أن حالة الانقسام الفلسطيني تضعف الخطاب الوطني على الصعيد الدولي.
واندلعت شرارة انتفاضة الأقصى في 28 أيلول (سبتمبر) 2000م، عقب اقتحام مجرم الحرب الإسرائيلي أرييل شارون باحات المسجد الأقصى وسط حراسة مشددة، بموافقة رئيس حكومة الاحتلال آنذاك إيهود باراك.