ساعات قليلة تفصلنا عن الخطاب الذي سيلقيه أبو مازن على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو الخطاب الثالث عشر الذي يلقيه منذ توليه منصب رئاسة السلطة الفلسطينية، مع وجود الكثير من التكهنات التي قد يتضمنها الخطاب داخليا وخارجيا.
قد يبدو الإسرائيليون معنيين بخطاب محمود عباس، كونه قد يترك آثارا ميدانية على واقعهم، إن في مستقبل العلاقة معهم، أو على صعيد مواجهة الأوضاع الناشبة في غزة، التي زادت تفاقما في ظل إجراءات عباس الأخيرة.
لن نفشي سراً إن قلنا إن أجهزة الأمن الإسرائيلية لها من المصادر البشرية والتقنية في قلب المقاطعة، تجعلها على اطلاع أولا بأول على ما يدور في اجتماعاتها، ويكتب في محاضرها، ولعل ذلك ينطبق على كل الأراضي الفلسطينية، بفعل السيطرة الأمنية الإسرائيلية شبه الكاملة.
سبقَ الخطابَ في الأيام الماضية تحشيدٌ داخليٌّ قام به أوساط عباس لإظهار مؤشرات التأييد الشعبي له، كي يظهر أمام المجتمع الدولي ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني، وهي حالة كانت تسبق كل خطاب له في السنوات الأخيرة، وأصبحت عرفاً متبعاً على صيغة مظاهرات شعبية وعرائض تأييد وحملات دعائية.
كل ما تقدم لا يعني الإسرائيليين كثيرا، فهم يعلمون أكثر من سواهم أن جماهيرية عباس تراجعت كثيرا في السنوات الماضية، وهم لا يتعاملون معه انطلاقا من مدى شعبيته بين الفلسطينيين أو تراجعها، بل من منطلق مدى خدمة إستراتيجيتهم في الملف الفلسطيني، وحفظ أمنهم في الضفة الغربية، وطالما أنه لم يُحدث خرقاً كبيرا في هذين الملفين، فإن التعامل معه سيبقى قائما.
لا يبدي الإسرائيليون حتى كتابة هذه السطور قلقاً أو جزعاً مما قد يتضمنه خطاب عباس في الساعات القادمة، في سياق العلاقة معهم، فهو لن "يلقي المفاتيح" في وجوههم، ولن يعلن دولة فلسطينية تحت الاحتلال، ولن يوقف التنسيق الأمني، ولن ولن ولن.
طالما أن سقف خطاب عباس دون هذه التوقعات والمطالب، فمن حق (إسرائيل) أن تشعر بالاطمئنان والراحة تجاه هذا الملف، فما عداه من تنديد واستنكار ورفض للسياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وتعطيل عملية السلام، وانسداد التسوية، كلها مانشيتات تعودت عليها الأذن الإسرائيلية لن تحدث انقلابا في المشهد السياسي الإسرائيلي، طالما أن الخطاب لم يقترب من إحداث تغيير جوهري في هذا المشهد، لا سيما الميداني منه، بما قد يؤثر على أمن الإسرائيليين.
إن كان من قلق يساور الإسرائيليين من خطاب عباس فهو ذلك المتوقع تجاه غزة، وإمكانية تشديد المزيد من العقوبات، وقطع أنبوب الأكسجين عن أهل غزة، مما قد ينذر بارتداد هذا السهم إلى (إسرائيل)، الأمر الذي قد يفسح المجال لمزيد من التكهنات والتخمينات حول مآلات الخطاب على المشهد الفلسطيني الداخلي، وتأثيراته على (إسرائيل).