هذا يوم مشهود من أيام فلسطين، هذا يوم النصر الفلسطيني الكبير، هذا يوم الملحمة الكبرى، والإرباك الدولي الذي سيخوض غماره محمود عباس، وهو يصعد إلى منبر الجمعية العامة، ليلقي خطابة الذي سيهز عرش (إسرائيل)، ويقتلع المستوطنات، ويحول دون تطبيق أمريكا لصفقة القرن، ذلك وفق حديث الناطقين باسم حركة فتح والسلطة تجميلًا لخطاب عباس!
لقد تجاهل قادة حركة فتح والناطقون باسمها حقيقة أن هذا الخطاب رقم 13 الذي يلقيه محمود عباس في الأمم المتحدة، وفي كل خطاب صفق له الحضور، قام عباس بعد أن شخص معاناة الفلسطينيين، وتحدث ضد العدوان الإسرائيلي على المواطنين الآمنين في الضفة الغربية، وتحدث عن مصادرة الأراضي، والتعنت الإسرائيلي، ورفض الحكومة الإسرائيلية للسلام، وسيتحدث عباس عن الخان الأحمر، وعن حصار غزة، وسيتحدث عن مسيرات العودة، ويشد على اليد، ويناشد العالم أن يطبق قرارات الأمم المتحدة، ويطالبهم بالاعتراف بدولة فلسطين، وهو يدعو إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية مع شرط التمكين الكامل، وربما يهدد بنواياه محاربة خاطفي غزة، ويطالب العالم بمساعدته لاسترداد غزة المخطوفة.
وسيقول عباس أن القضية الفلسطينية تمر في أصعب الظروف، ولكننا لن نيأس وسنصمد حتى تحقيق أهدافنا الوطنية المتمثلة بالحرية والاستقلال وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وسيؤكد عباس على أن الإدارة الأميركية بقراراتها المتمثلة بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها إليها، وإزاحة ملف اللاجئين من طاولة المفاوضات، وقطع المساعدات عن الأونروا أخرجت نفسها كوسيط وحيد للعملية السياسية، وعليه أصبحت هناك ضرورة لعقد مؤتمر دولي السلام ينتج عنه تشكيل آلية دولية لرعاية عملية السلام
وسيهاجم محمود عباس سياسة الاستيطان واستمرار الاعتداءات التي تستهدف الأرض والإنسان الفلسطيني، وأنه سيواصل جهده على المستويات كلها واتخاذ القرارات من أجل حماية شعبنا والحفاظ على حقوقه التي كفلها القانون الدولي، وسيتحدث عباس عن خطورة المساس بمكانة ووضع المسجد الأقصى المبارك، محذرًا من أي قرارات تحاول المس بمكانته الدينية والتي ستجر المنطقة إلى مزيد من التوتر وتدهور الأوضاع.
ولكن الأخطر في خطاب عباس حين يقول إنه سيعيد النظر بكل الاتفاقات الموقعة من دولة الاحتلال، وهنا سيحظى بالتصفيق والتأييد، ليمرر أخطر جملة، والتي تعتمد على التسويف والمماطلة، حين قال: سيعيد النظر، وسيعيد النظر جملة مفتوحة على كل الاحتمالات؛ بما في ذلك النسيان والتجاهل كما حدث مع قرار المجلس المركزي الذي طالب بقطع العلاقات مع الاحتلال، ووقف التعاون الأمني في قرارة شهر 3/2015، ولكن لا حياة لمن تنادي.
وماذا بعد خطاب عباس؟
سيبقى الاستيطان اليهودي على حاله، وقد يزداد، وستبقى القدس تحت التهويد، وستتعرض لمزيد من الاقتحامات، وسيظل أهل غزة تحت العقوبات، وستظل الضفة الغربية على شفا حفرة من الضم، وسيظل الشعب الفلسطيني ممزقًا بين انتظار جولة مفاوضات وجولة مواجهات، وسيظل الصهيوني آمنًا في مستوطنته، وسيظل التعاون الأمني قائمًا مع المخابرات الإسرائيلية، ليظل الجيش الصهيوني يقتحم المدن ويعتقل ويقتل كما يشتهي، وتظل المأساة السياسية الفلسطينية جاثمة على طاولة اللجنة التنفيذية التي لا تجرؤ على استنشاق النفس دون إذن محمود عباس.
سينفض الموسم، وتطوى الصحف، ويبقى كل شيء في فلسطين على حاله انتظارًا للخطاب القادم سنة 2019، إلا إذا تحرك الشعب الفلسطيني غضبًا، ليهدم أركان هذه المهزلة السياسية، ويفرض بقوة الثورة معادلة وطنية لا تقبل التأويل، وترفض سياسة الانتظار والتضليل.