"شكرًا لتعاونك معنا. لقد تم فصلك!". خلت مقرات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في غزة، أمس، إلا من أصوات الموظفين الذين تلقوا هذه الرسالة قبل شهرين، وزملائهم، دون أن يجدوا بوادر لإلغاء قرارات الفصل، ما دفعهم إلى تنفيذ إضراب شامل ليوم واحد في مقرات الوكالة.
تبادل 1000 موظف مفصول، صرخات المعاناة أمام مقر "أونروا" في غزة، عندما كانوا يصطفون على امتداد بواباتها وجدرانها.
أسرة صبري المعلواني مرشد صحة نفسية، باتت بلا مصدر دخل في غزة بعد قرار فصله وزملاءه.
"أسرتي مكونة من ثمانية أفراد: زوجتي وأنا وستة أطفال أكبرهم بالصف السادس الابتدائي وأصغرهم سنة ونصف السنة، فضلا عن أنني أعيش في عائلة ممتدة مكونة من أبي وأمي المصابة بجلطة دماغية وأخوين متزوجين"، يقول المعلواني، لصحيفة "فلسطين"، بينما كان متخذًا موقعه بين زملائه يتصببون عرقًا.
ويضيف: عندما تتحدث عن 1000 موظف هذا يعني أن الحديث يدور عن قرابة 10 آلاف إنسان سيتضررون، إنهم (إدارة أونروا) يلعبون بأرواحنا.
وتتذرع "أونروا" بعجز مالي يفوق 200 مليون دولار، حسبما قال المتحدث باسمها كريس غونيس في مقابلة صحفية، مؤخرا. وقررت الولايات المتحدة في 31 أغسطس/آب وقف مساعدتها لـ"أونروا" التي تمثل ربع موازنتها السنوية.
والمعلواني كان موظف عقد دائم في الوكالة، وعمل لأكثر من 10 سنوات، لكنه تلقى رسالة تفيد بإلغاء عقده الوظيفي واعتباره "فائضا"، ما يمثل من منظوره ضربا لكل القوانين الإنسانية والحقوقية وإجراء "مهينا".
ويفيد بأن الرسائل نصت على إلغاء الوظائف، لكن من الموظفين من كان مقررا إنهاء خدمته نهاية أغسطس/آب الماضي وبعد الاتفاق مع اتحاد الموظفين تم التمديد له حتى سبتمبر/أيلول الجاري، وهناك من تحول دوامهم من كلي إلى جزئي، بنصف راتب ونصف الإجازات لفترة قصيرة.
وينقل عن رئيس دائرة الموارد البشرية في "أونروا" بغزة، جوناثان بورتر، أنه ليست هناك ضمانة لأحد من هؤلاء الموظفين بعد 31 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ويتهم مدير عمليات الوكالة بغزة ماتياس شمالي، بأنه "يكن العداء" للاجئين الفلسطينيين، ويمارس ضدهم الإجراءات العقابية، مطالبا الفلسطينيين بالوقوف موقف رجل واحد إزاء ذلك.
ويوضح الموظف المفصول، أن الإضراب في "أونروا" تنفيذ لإعلان ما جاء في مسيرة الموظفين الأربعاء الماضي، عن إغلاق مؤسسات الوكالة كافة في قطاع غزة.
ويعتقد أن إدارة "أونروا" راهنت على فشل الإضراب، "لكن أثبت 13 ألف موظف تابعين للوكالة أنهم يقفون صفا واحدا خلف اتحاد الموظفين".
ومن المقرر أن يعقد الاتحاد مؤتمرا الخميس المقبل أمام مقر "أونروا"، لاتخاذ خطوات "غير مسبوقة" في حال عدم الاستجابة لمطالب الموظفين، بحسب المعلواني.
"أنا واقع تحت الظلم، بعد أن أفنيت شبابي". كلمات زميله إسماعيل الطلاع (39 عاما)، ويعيل أسرة مكونة من سبعة أفراد، ضمن عائلة أكبر تعدادها 28 فردا.
الطلاع – يجري العرق على وجهه مجرى الدماء في عروقه- يقول لصحيفة "فلسطين": قرار الفصل بمثابة "قنبلة ستنفجر بالأسر جميعا"، مبينا أن ابنته على سبيل المثال، حاصلة على 97% بالثانوية العامة، ومن شأن عدم توفر المال إعاقة طموحها دراسة طب الأسنان.
ولجأ هؤلاء الموظفون إلى الإضراب الشامل، الذي إن لم يحقق أهدافه فستكون هناك خطوات "تصعيدية" سيعلن عنها اتحاد الموظفين، كما يضيف الطلاع.
ويبيّن أن هذا الإضراب يحرج إدارة "أونروا" الملزمة بتقديم الخدمات للاجئين، لكنها تجيد لغة "التسويف"، وفق وصفه.
ويشير إلى أن الوكالة رفعت عدد الطلبة في الصف الدراسي الواحد إلى 50 طالبا، مع توزيع كتب مستعملة، وعدم ترميم المدارس.
مخاطر
وانضمت الموظفة رائدة يونس (40 عاما) أيضًا إلى زملائها في اعتصامهم أمام مقر أونروا بغزة.
يونس تقول لصحيفة "فلسطين": إنه جرى تحويلها للدوام الجزئي حتى 31 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وينتظرها مصير مجهول بعد ذلك، هي وثمانية أفراد تعيلهم.
وتوضح أن من شأن ذلك تعريضها لمخاطر، مفسرة بأن الموظفين محاطون بالتزامات مالية قد تودي بهم إلى السجن حال عدم سدادها نتيجة لفصلهم، فضلا عن حد قدرتهم على توفير احتياجات أبنائهم لاسيما الملتحقين بالجامعات.
ويرمي الإضراب إلى إيصال صوت الموظفين، في ظل ما تقول إنه تقليص أيضًا في خدمات "أونروا" بالعيادات والمعونات الغذائية والتوظيف.
وتصف ما يجري بأنه "حرب على كل اللاجئين، فما جرى معنا مجرد بند من البنود التعسفية والتقشفية التي مارستها إدارة الوكالة".
مريم صالح تلقت أيضًا رسالة بتحويل دوامها إلى جزئي حتى نهاية العام الجاري، دون أن تعلم ما ينتظرها بعد ذلك.
تقول الثلاثينية صالح لصحيفة "فلسطين": إن قرار أونروا يلقي بظلاله المباشرة على أفراد أسرتها الذين يسكنون في بيت بالإيجار.
وتضيف أن قرار الإضراب جاء بعد أن حاول الموظفون إيصال مطالبهم بكل الوسائل والاتجاهات.
وتشبّه زميلتهم رجاء مصلح (39 عاما) ما جرى معها بأنه "إعدام"، مبينة أنه جرى تحويلها لدوام جزئي حتى نهاية 2018.
وهذا القرار يعني أن تسعة أفراد، هم عائلة هذه السيدة، سيكونون بلا مصدر دخل بعد فصلها، كونها المعيل الوحيد لهم، كما تبين لصحيفة "فلسطين".
وتأمل أن يتمكن الموظفون عبر الإضراب الذي نفذوه من انتزاع حقوقهم من إدارة "أونروا التي أوصدت كل الأبواب المتاحة للحوار".
حاول موظفو "أونروا" طرق كل الأبواب لإيصال صوتهم، ووصفوا قرارات الوكالة بحقهم بأنها "جريمة خطيرة"، و"إعدام للموظفين وأطفالهم"، وحتى اللحظة لم يتلقوا سوى رجع صدى أصواتهم.