يحفلُ السجل المرئي لرئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بسلسلة طويلة من الجرائم التي لا تزال عالقة في ذاكرة الشعب الفلسطيني متجرعًا مرارتها، غير أنها كما يظهر المشهد غائبة تمامًا عن رئاسة السلطة الفلسطينية التي استقبلته بحفاوة قل نظيرها، وحميمية انعكست أجواءها على شاشة التلفاز الفلسطيني الرسمي، في وقت ينتظر الفلسطينيون منذ سنوات عدة أن تلتئم هذه الطاولة مع الإخوة معلنة حالة الوفاق التام لمواجهة التحديات المفروضة.
وتولى أولمرت منصب عمدة بلدية الاحتلال بمدينة القدس المحتلة، عشر سنوات، منذ عام 1993م حتى 2003م، ورئاسة حكومة الاحتلال بالإنابة في 4 كانون الآخر (يناير) 2006م، إثر إصابة سلفه أرييل شارون بجلطة دماغية، ليصبح في 11 نيسان (أبريل) من العام نفسه رئيسًا فعليًّا لها.
ويشير المحلل السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي راسم عبيدات إلى أن أولمرت بدأ عمادة مدينة القدس المحتلة على وقع وعده الشهير بتحقيق حلم اليهود في بناء ما يسمى "هيكل سليمان".
وبين عبيدات لصحيفة "فلسطين" أن أولمرت كان في مدة توليه رئاسة بلدية احتلال القدس الأداة الحقيقية لتنفيذ مخطط "القدس الكبرى"، ونتيجة لهذا الوضع سيطر على نحو 87% من مساحة القدس البالغة 72 كم مربعًا، وتبقى للفلسطينيين 13%.
ونبه إلى أن أولمرت كان أول من عمل على ضم الكتل الاستيطانية الواقعة خارج حدود بلدية القدس الاحتلالية، وإخراج التجمعات الفلسطينية منها، وتقسيم الضفة المحتلة إلى "كانتونات".
وذكر عبيدات أن أولمرت في زمن توليه رئاسة حكومة الاحتلال بين عامي 2006م و2008م شن الاحتلال حربًا عدوانية على لبنان, وأخرى على غزة استمرت 23 يومًا.
وراح ضحية العدوان الإسرائيلي الذي بدأ صباح 27 كانون الأول (ديسمبر)، واستعمل خلاله أسلحة محرمة دوليًّا كاليورانيوم المنضب، نحو 1500 شهيد، وفقد الآلاف منازلهم، وتشتت تسعة آلاف من ساكنيها، وألحق العدوان دمارًا بـ34 مرفقًا صحيًّا، و67 مدرسة، و27 مسجدًا، إلى جانب خسائر بملايين الدولارات في البنية التحتية.
سجل أولمرت
وأبدى عبيدات استغرابه أن يُمحى سجل أولمرت الإجرامي في لحظة، باستقبال رئيس السلطة له في باريس، ثم ضيافته عبر شاشة التلفاز الرسمي "فلسطين"، في وقت ينتظر الشعب الفلسطيني أن يكون هذا اللقاء للإخوة الفلسطينيين الذين تعتريهم حالة الانقسام منذ أكثر من عقد.
وقال المختص في الشأن الإسرائيلي فضل طهبوب: "إنّ الذاكرة الفلسطينية الحية حُبلى بصنائع وسياسات أولمرت العدوانية، التي يتجرع الفلسطينيون أثرها كما العلقم".
أضاف طهبوب لـ"فلسطين": "سلوك أولمرت تجاه الشعب الفلسطيني وقضية القدس خاصة بدأ مبكرًا إبان توليه رئاسة بلدية الاحتلال بالقدس المحتلة، حين أعلن رسميًّا أول مرة حفر الأنفاق تحت أسوار المسجد الأقصى، الذي أدى إلى نشوب ما يعرف بهبة النفق، التي استشهد فيها مئة فلسطيني وأصيب أكثر من 1600 آخرين".
وبين أن أولمرت حينما شغل منصب رئيس حكومة الاحتلال فاوض السلطة الفلسطينية على قاعدة كسب الوقت، وإطالة عمر المفاوضات، دون إعطائها أي مكاسب يمكن الإشارة إليها.
ولفت طهبوب إلى أن الأكثر غرابة أن يلتقيه عباس وهو يدرك ذلك، معقبًا على تصريح دعائي لأولمرت قال فيه: "عباس مؤهل لإنجاح عملية تسوية شاملة مع الإسرائيليين" بالتساؤل: "كانت مدة ولاية أولمرت طويلة وكافية لأن يقود عملية تسوية حقيقية مع السلطة، فلماذا لم يفعل ذلك؟!".
وأشار إلى أن أولمرت اتبع في تصريحه توجه الشخصيات الأمريكية بعد الاستقالة، أو انتهاء مدتها الرئاسية، بإطلاق تصريحات تحقيقًا لمكاسب سياسية.
وأبدى طهبوب استغرابه التقاء رئيس السلطة أولمرت "على أمل إحداث ثغرة في عملية التسوية"، وأركان البيت السياسي الفلسطيني متصدعة، يضربه انقسام وخلاف عميقان.
وقال: "لا حروب بيننا؛ فلماذا لا تصل السلطة مع حماس إلى اتفاق، بدلًا من التقاء أولمرت الذي إن عاد لسدة الحكم ثانية؛ فلن يصنع إلا الخراب والتدمير، وإطاعة المنظومة الإستراتيجية الصهيونية التي تتحكم في كل شيء؟!".