ما زالت تفاعلات قضية إسقاط الطائرة الروسية في الأجواء السورية تتفاعل داخل (إسرائيل)، بين من يعدها نهاية شهر العسل القائم بين تل أبيب وموسكو عموما، ونتنياهو وبوتين خصوصا، ومن يرى فيها أزمة عابرة في علاقاتهما، سرعان ما تزول كونها سحابة صيف، وفريق ثالث يتوسط الرأيين بالقول إنها أزمة جادة، صحيح أنها لن تعصف بتفاهماتهما القائمة منذ ثلاث سنوات على الأراضي السورية، لكنها ستعيد تموضع الجانبين في هذه البقعة الجغرافية العربية التي باتت مستباحة لكل من هب ودب.
لا شك أن هذه الحادثة ألقت بظلال سلبية ومقلقة داخل المؤسستين العسكرية والأمنية الإسرائيليتين، فضلا عن المستوى السياسي بصورة أساسية، كونها جاءت مفاجئة، على الأقل في وهلتها الأولى، مع أن مثل هذه الحوادث كانت قائمة ومتوقعة ضمن سيناريوهات التخطيط العسكري والتقديرات العملياتية التي وضعتها القيادة العسكرية الإسرائيلية منذ اليوم الأول للتدخل العسكري الروسي في سوريا خلال أكتوبر 2015.
اللافت أن هذه الحادثة التي تأخذ طابعا قوميا بعيد المدى، وقد يؤثر على قرارات إستراتيجية جادة في إسرائيل، استغلتها بعض أوساط المعارضة في المزايدة على نتنياهو، واتهامه بالتسبب بإثارة أزمة مع قوة عظمى مثل روسيا، رغم أن الرجل، وللحق، استطاع أن يبرم تفاهمات مع قيصر الكرملين، يحقق من خلالها مصالح (إسرائيل) السياسية والعسكرية في قلب الأراضي السورية، بصورة قد لا ينجح فيها أي رئيس وزراء إسرائيلي آخر.
تزداد التحليلات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة في توقعاتها وتنبؤاتها حول ما الذي قد تقوم به موسكو ضد الحراك العسكري الإسرائيلي في سوريا، بعد أن أعلنت أنها ستزود الأخيرة بمنظومات متطورة من الدفاعات الجوية من طراز إس300، رغم وجود حالة من الإجماع الإسرائيلي الداخلي، يساندها توافق إقليمي خارجي، وربما ضوء اخضر غربي أمريكي، بالتزامن مع ضوء أصفر روسي، يمنح (إسرائيل) حرية الحركة في الأجواء السورية لاستهداف القواعد العسكرية الإيرانية هناك، وضرب أي قوافل أسلحة متجهة من دمشق إلى بيروت.
صحيح أننا قد نشهد في قادم الأيام حالة من استراحة المحارب، والتقاط الأنفاس، وتوقف مؤقت للضربات العسكرية الإسرائيلية داخل سوريا، سواء لانتظار السقف الأعلى الذي قد يذهب إليه الروس في معالجتهم لهذه الأزمة، أو لعدم التسبب بصب لمزيد من الزيت على نار التوتر الناشب، وثالثا، وهذه قد تكون لافتة، لاعتقاد الإسرائيليين أن الروس سيطلبون من الإيرانيين تهدئة اللعب في الساحة السورية، وبضمن ذلك تجميد إرسال أي قوافل أسلحة كاسرة للتوازن إلى حزب الله.
هذه التطورات وغيرها تؤكد أن هذه المنطقة التي نحياها تشبه الرمال المتحركة، كل ساعة هناك جديد، كفيل بقلب الأمور رأسا على عقب، ويبقى الثابت الوحيد فيها هو المتغير، حتى على صعيد الدول الكبرى وعلاقاتها.