جرت العادة لدى القادة الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين، بل وبعض السياسيين، الذين يغادرون مواقعهم الرسمية، ومناصبهم القيادية، تقديم آراء مختلفة عن قناعاتهم التي كانوا يتبنونها حين يديرون أجهزتهم الأمنية والمؤسسة العسكرية.
يمكن عبر القيام بمسح سريع لأهم الشخصيات القيادية والعسكرية الإسرائيلية، تقديم كشف حساب بأهم الاعترافات التي يقدمونها على الهواء مباشرة، وأمام الرأي العام، يستوي ذلك كبار الجنرالات مع الوزراء والضباط.
ربما كان مائير داغان رئيس جهاز الموساد الراحل صاحب الاعترافات الأولى في هذا السياق، تلاه إيهود باراك رئيس الحكومة ووزير الحرب الأسبق، وبينهما نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال يائير غولان، وآخرهم غونين بن-يتسحاق المسئول الكبير في جهاز الأمن العام الشاباك.
تتركز الاعترافات الإسرائيلية في عدة محاور أساسية:
- صدور تصريحات تفيد بأن الوسائل العسكرية في قمع المقاومة الفلسطينية لن تؤتي نفعًا، بما في ذلك الاغتيالات، التي ثبت أنها قد لا تقدم حلًا سحريًا لهذه المسيرة الطويلة من المقاومة، وحث المستوى السياسي على البحث عن وسائل وأساليب بديلة عن القوة الحصرية.
- الحديث المتكرر عن حالة التراجع القيمي الذي تمر به إسرائيل، سواء بسبب تكاثر حالات الفساد، والتحقيقات الشرطية بشأنها، أو عمليات شراء الذمم في العمليات الانتخابية والصفقات الحزبية.
- اتهام الحكومات القائمة بأنها تقدم مصالحها على ما يعتبرونه المبادئ الأخلاقية، إن كان من أخلاق لهذا الكيان المحتل، مستدلين على ذلك بالعلاقات السرية والعلنية مع العديد من الأنظمة والدكتاتورية حول العالم، وكان آخرها الزيارة التي قام به الرئيس الفيليبيني المعروف بجرائمه وانتهاكاته الحقوقية.
- الإدانات المتكررة من قبل ضباط كبار ومسئولين سياسيين بارزين بأن الجيش والأجهزة الأمنية تتجاوز القانون، وترتكب المخالفات الحقوقية، بما يخالف ما يعتبرونه "طهارة السلاح"..
- تكرار المخاوف الصادرة تصريحا، وليس تلميحا، حول عدم اليقين من بقاء الأجيال اللاحقة من الإسرائيليين فيها، وترجيح فرضيات مغادرتهم لها، في ظل المظاهر والمؤشرات السابقة.
- التحذير من عدم استمرار الدعم الخارجي حتى إشعار آخر، وهم بذلك ينبهون إلى غياب محتمل للدور الأمريكي، أو على الأقل تراجعه، بسبب اعتبارات داخلية أو خارجية.
هذه الاعترافات وسواها، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الإسرائيليين تزداد لديهم المخاوف والهواجس بشأن خطأ الطريق التي تسيرها الدولة، صحيح أن ذلك لا يعني أن إسرائيل، هذا الكيان المحتل، في طريقها للزوال، اليوم أو غدا، رغم أن هذه أمنية لجميع الأحرار في العالم، لكنه يضرب في عصب المنظومة الصهيونية التي قامت على عاتقها الدولة الإسرائيلية، وتراجعت العديد من المبادئ التي قامت على أساسها.