فلسطين أون لاين

غزة أصبحت مثلًا والمقاومة فيها نموذجًا

...
ناصر ناصر

لقد تحولت غزة إلى مثال لافت ومثير للاهتمام، وذلك من حيث طبيعة الاحتلال الصهيوني ووسائله لمحاصرتها وتركيعها، ثم –وقد يكون الأهم– من حيث إصرار أهلها الفلسطينيين على مقاومة هذا الاحتلال الغاشم وعدم الخضوع لإرادته، وما حرب الأنفاق التي تدور يوميًّا باستمرار إلا دليلًا واضحًا على ذلك.

يقود العميد في جيش الاحتلال عيران عوفير حرب الأنفاق من الجانب الصهيوني، وهي حرب سخر فيها الاحتلال كل إمكاناته وإمكانات حلفائه، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، وقد شملت إقامة جدار من الباطون بطول 65 كم، يبنى تحت الأرض، أما على عمق عشرات الأمتار فتركب اللواقط والمجسات التي ترصد أي تحركات أو محاولات للحفر تحت الأرض.

لا يترك الاحتلال فرصة إلا ويستعرض فيها "قدراته الخارقة" في مجال محاربة الأنفاق، بالطرق التكنولوجية والاستخبارية، أو يستعرض ما يعده مشروعه الرائد في بناء الجدار، فقد عرضت (يديعوت أحرنوت) في الأسبوع الماضي مقابلة موسعة مع العميد عيران عوفير، وأبرزت استثمار الاحتلال في الجدار، وأشارت إلى بناء خمسة مصانع باطون مخصصة للجدار بالقرب من غزة، وذلك لإنتاج مليوني كوب من الباطون، يعمل فيها 1200 عامل أجنبي بجد في 22 مركزًا على طول الحدود من مصر حتى شاطئ (زيكيم)، أي 65 كم.

يدعي الاحتلال أن طواقمه الفنية أجرت أبحاثًا علمية وهيدرولوجية لمعرفة عمق المياه وأنواع الأراضي لإنجاح مشروع الجدار، وقد حفرت هذه الطواقم أيضًا 40 حفرة عميقة للوصول إلى شقوق الصخور، وقد وصلت إلى تفرعات نهرية قديمة حول غزة.

يفتخر عوفير بأن مشروعه هو فريد من نوعه، وأنه لا توجد دولة في العالم قامت بمثل هذا المشروع، وأكثر من ذلك لفت المشروع أنظار العديد من دول العالم، فأرسلت وفودها إلى حدود غزة للاطلاع والاستفادة من هذه التجربة المثيرة للاهتمام.

قد يصدق الوصف الإسرائيلي للجهود الجبارة التي يبذلها لحصار غزة، ولكنه لم يصدق قط في مدى فعالية وجدوى هذه الجهود، ما لم يختبر مشروع الجدار تحديدًا على أرض الواقع في أي مواجهة مع غزة، وهي مواجهة يحرص الاحتلال على تجنبها لتكلفتها الباهظة حتى بعد اكتمال مشروع حائط الحصار الإسمنتي.

لم تنل بعض أصوات الخبراء في الكيان العبري التغطية الإعلامية المتوقعة، وذلك على ما يبدو نوع من استخدام تكتيك معروف يرمي إلى إسكات كل صوت إسرائيلي يشكك في قدرة الجدار الإسمنتي على مواجهة خطر الأنفاق خاصة، وخطر قدرة المقاومة على اختراق الحدود، وفي كل الأحوال إن قدرة الشعب الفلسطيني على إبداع وسائل لمواجهة جلاديه ومحاصريه ثابتة ومعروفة، وما مسيرات العودة إلا دليل واحد على ذلك.