تعيد الأحداث نفسها، لكن هذه المرة على أرض قرية قصرة جنوب نابلس في الضفة الغربية المحتلة، حيث اتضحت من جديد ما يؤكد المراقبون أنها "فجوة" بين الموقف الرسمي للسلطة والإرادة الشعبية الفلسطينية، من التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي.
البداية كانت باقتحام ثلاثة جنود مسلحين من جيش الاحتلال ومستوطن القرية، أمس، واحتجازهم من قبل المواطنين منعًا لهم من أن يعيثوا فيها فسادًا؛ لكن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، كالعادة، سلمت هؤلاء المحتَجَزِين، بأسلحتهم، لقوات الاحتلال.
وأقرّت القناة العبرية العاشرة بأن المستوطن والجنود الثلاثة احتُجِزوا على يد فلسطينيين في القرية ومنعوهم من الحركة، قبل أن يصل أمن السلطة للمكان ويُخلِّص هؤلاء الإسرائيليين من الأهالي الفلسطينيين ويسلمهم لجيش الاحتلال.
ويصف القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بدران جابر، أهالي قرية قصرة "بالأبطال الذي احتجزوا مستوطنين أيضًا قبل ذلك وكرروا هذه التجربة للمرة الثانية والثالثة".
ويؤكد جابر لصحيفة "فلسطين"، أن ما قام به أهالي القرية يمثل "إرادة شعب واضحة جدا برفض الاستيطان وممارسات الاحتلال"، مبينًا أنه "من الواضح جدًا أن هناك فجوة بين السياسة الرسمية الفلسطينية (موقف السلطة) وبين الموقف الشعبي الفلسطيني".
والتنسيق الأمني، سيئ السمعة، هو أحد إفرازات اتفاق (أوسلو) الموقع بين منظمة التحرير ودولة الاحتلال سنة 1993، بينما كان رئيس السلطة محمود عباس وصف هذا التنسيق بأنه "مقدس"، وأكد تمسكه به، وهو ما يلقى رفضًا شعبيًا فلسطينيًا واسعًا.
ويوضح جابر أن احتجاز المواطنين لجنود الاحتلال "إن دل على شيء إنما يدل على أن هناك حالة من الرفض لسياسة التعايش والتهادن مع الاحتلال ومطالبة صريحة وصرخة واضحة بضرورة قيام السلطة الفلسطينية بواجبها في حماية الأرض والإنسان الفلسطيني".
ويشير إلى أنه لا ينبغي للسلطة أن تكرس جهدها "لحفظ أمن وسلامة المستوطنين المعتدين الذين رفضهم العالم كله، واعتبر وجودهم على أرضنا غير قانوني وغير شرعي".
وأقر مجلس الأمن الدولي في 23 ديسمبر/ كانون أول الماضي، بأغلبية ساحقة مشروع قرار لوقف الاستيطان في الضفة الغربية وشرقي القدس، وذلك بعد امتناع تاريخي لإدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، عن استخدام حق النقض "فيتو" ضد مشروع القرار.
من جانبه، يقول الخبير في شؤون الأمن القومي إبراهيم حبيب، إن السلطة "مرتبطة باتفاقيات أمنية" مع سلطات الاحتلال، مضيفًا "هذا جزء، للأسف، من عملها في الضفة الغربية".
ويوضح حبيب، لصحيفة "فلسطين"، أنه بناء على ذلك، أي مستوطن يدخل الأراضي الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، فإن الأخيرة تسلمه.
ويصف التنسيق الأمني بأنه "لعنة"، متابعًا "لكنه موجود ولا نستطيع أن نتغاضى عنه، وهو واقع الضفة المرير، وأي سلطة لو جاءت على شاكلة السلطة (الحالية) للأسف ستفعل ما تفعله".
ويتابع حبيب "هذا واقع التنسيق الأمني، والسلطة بطبيعتها الوظيفية الخدماتية للكيان هي جزء من الإشكال الفلسطيني الموجود حاليًا في الضفة الغربية".
وكان المجلس المركزي الفلسطيني قرر في ختام دورته العادية الـ27 في رام الله في الخامس من مارس/ آذار 2015م، وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لكن القرار لم ينفذ حتى الآن.