سأفترض حسن النية، وأن شدة حرص محمود عباس على القضية الفلسطينية تدفعه لأن يشترط التمكين في غزة، كي يرفع العقوبات، ويقبل بالمصالحة، بعد نزع سلاح المقاومة الهادف إلى أخذ الكل الوطني الفلسطيني إلى رحاب الدولة الفلسطينية، والتخلص من الاحتلال.
وسأفترض حسن النية أيضاً، ومن منطلق حرص حركة حماس وأخواتها على مصلحة الوطن، وافقت تنظيمات المقاومة على تسليم قطاع غزة من الباب إلى المحراب للسلطة الفلسطينية، وتم حل كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب أبي على مصطفى ولجان المقاومة والمجاهدين والأحرار، وتم تسليم سلاحهم إلى سلطة محمود عباس، على أمل أن يكون للشعب الفلسطيني قائد واحد وسلطة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد، وأرض واحدة تخلو من الميليشيات.
ولن أضع افتراضاً يخطر في بال كل فلسطيني، ماذا ستفعل (إسرائيل) برجال المقاومة في قطاع غزة؟ أو ماذا ستفعل قيادة السلطة الفلسطينية بسلاح المقاومة في قطاع غزة؟ ولن أفترض ما يجول في خاطر البعض من إمكانية الانتقام، والذبح على ماضي الانتماء للمقاومة كما حدث في مخيمي صبرا وشاتيلا، بعد أن سلمت الثورة الفلسطينية سلاحها، وخرج رجالها على متن السفن الفرنسية بسلاحهم الشخصي، وتركوا أعناق أزواجهم وذرياتهم تحت حز السكاكين الحاقدة التي تمكنت بدعم إسرائيلي من السيطرة على بيروت.
ولكنني سأفترض تحقيق كل ما يرجوه محمود عباس من سيطرة كاملة على قطاع غزة، ودخوله إليها دخول الفاتحين المنتصرين المهللين المكبرين للنصر المبين، وذلك من خلال وصوله إلى غزة عبر بوابة بيت حانون بعد التعاون الأمني مع الإسرائيليين، الذين سيفرحون لنصر محمود عباس، ويبدؤون معه برفع الحصار عن غزة، وتوصيل الكهرباء، والشروع في جلب أموال التعمير والاستثمار والتهدئة في غزة..
إن مجمل الافتراضات السابقة لتفرض علينا أن نسأل: وماذا بعد؟
وماذا بعد دخول أجهزة محمود عباس الأمنية إلى غزة، وبعد تفتيش حقائب الطلاب عن السكاكين، وتجريم المقاومين؟ وهل ستفضي هذه الطريق إلى تحرير فلسطين، وقيام الدولة؟
هل سيوافق نتنياهو على لقاء محمود عباس الذي تمكن من غزة، وجمع سلاحها المقاوم؟ هل سيتفاوض معه على الانسحاب من الضفة الغربية، وإخلاء المستوطنات وهدمها؟ هل سيتوقف الصهاينة عن اقتحام المسجد الأقصى؟ هل سيتوب الجيش الصهيوني عن اقتحام مدن الضفة الغربية، واعتقال ونسف البيوت؟ هل سيكف المستوطنون الصهاينة عن إطلاق خنازيرهم لمهاجمة سكان الضفة الغربية، والسيطرة على الأرض؟
وهل تمكين عباس من السيطرة على غزة سيحول دون تنفيذ صفقة القرن؟ هل سيتراجع ترامب عن نقل السفارة إلى القدس؟ وهل سيغدق الأموال على الأونروا، بمجرد نزع سلاح المقاومة في غزة؟ وهل ستسمح (إسرائيل) بفتح الممر الآمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة؟ وهل ستتوقف الاقتحامات لمدن الضفة الغربية أم ستنفذ بعد ذلك الاقتحامات داخل مدن الضفة الغربية ومدن قطاع غزة؟ وهل ستزال الحواجز الإسرائيلية على طرق الضفة الغربية أم ستقام حواجز إسرائيلية جديدة على طرقات قطاع غزة؟
قد ينبري لي أحدهم ويقول: نعم، التمكين في غزة سيعزز موقف القيادة الرافضة لصفقة القرن، والوحدة الوطنية ستشد من أزر الرئيس في اشتباكه مع أمريكا و(إسرائيل)، ونزع سلاح المقاومة سيحرج (إسرائيل) أمام المجتمع الدولي، وسيفرض عليها عدم التهرب من اللقاء على طاولة المفاوضات، إن تسليم غزة للسلطة بالكامل سيعزز من خطاب الرئيس أمام الجمعية العامة، وسيفضح الموقف الإسرائيلي، وسنقف صفاً واحداً في وجه المخططات الإسرائيلية!!!
وهنا ينبري سؤال عريض لأصحاب منطق التمكين من الباب للمحراب:
لماذا لم تنتصروا لفلسطين قبل الانقسام سنة 2007؟ لماذا لم تقيموا دولتكم بعد عشرين عاماً من المفاوضات، وقبل حدوث الانقسام؟ وهل التعاون الأمني مع نداف أرغومان هو الطريق الآمنة لمواجهة صفقة القرن؟ ولماذا تعلقون خيبتكم السياسية وفشلكم القيادي على الانقسام، وأنتم من أجبر كل حر فلسطيني على تشجيع الانقسام رداً على تفردكم بالقرار السياسي الفلسطيني؟