لا يملّ نتنياهو من ترديد عبارات تفيد بأن بلاده. تقوم بتوطيد علاقاتها (العلنية والخفية) مع دول في المنطقة. وقد كرر هذا أخيرًا في الجلسة التأبينية الخاصة التي عقدها الكنيست (البرلمان) مساء الإثنين إحياء لذكرى رئيس دولة العدو التاسع شمعون بيريز، الذي هلك قبل حوالي ثلاثة أشهر.
نتنياهو لا يسمي هذه الدول بالاسم، ولكنه يلمح بأنها خليجية، ويضيف بحسب نظريته الجديدة (المقلوبة) للسلام في المنطقة أن "التعاون الإقليمي في مجال الأمن (يقصد مع دول عربية)، قد يفضي إلى تقدم في تحقيق السلام، ولكن يجب أولاً أن يكف العالم العربي عن الدعاية والتحريض ضد إسرائيل والشعب اليهودي".
وتعليقنا هنا أن هذا التفكير هو تفكير مقلوب لكلام سابق عربيًا ودوليًا بأن السلام في المنطقة، وحل قضايا الحل النهائي مع الفلسطينيين يفضي بحسب محمود عباس إلى سلام وتطبيع مع الدول العربية بحسب مفهوم المبادرة العربية.
ولكن نتنياهو يرى العكس أن التطبيع مع البلاد العربية يفضي إلى حلّ القضية الفلسطينية من خلال المفاوضات المباشرة لا المؤتمرات الدولية أو شبه الدولية التي جرت في باريس مؤخرًا بحضور (٧٠) دولة.
وفي مقابل هذا الزعم الصهيوني ترى شخصيات في اللجنة المركزية لحركة فتح، إن هناك تنسيقاً كاملاً مع الأردن وبقية الدول العربية لمواجهة الأخطار المحدقة بمدينة القدس المحتلة. وإن نقل السفارة الأمريكية المحتمل للقدس يعني نهاية حل الدولتين ونهاية أي مسار مستقبلي تفاوضي وهو نقيض لموقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
نحن أمام حالتين متناقضتين، فالعدو يزعم عن تقدم في علاقة بلاده مع الدول العربية، بينما جهات مسئولة في فتح تزعم أن تنسيقا كاملا يجري بينها وبين الأردن، ودول عربية أخرى من أجل حماية القدس من تهديدات ترامب بنقل سفارة بلاده إليها، ولست أدري لمن الغلبة والمصداقية، هل هي لكلام نتنياهو، أم لكلام شخصيات من مركزية فتح.
طبعا نحن نتمنى الغلبة لعلاقة التنسيق الفلسطينية الأردنية العربية في مسألة القدس وغيرها، لأن الأمور خطرة إلى حدّ بعيد، فقد ينفذ ترامب تهديداته، وفي هذا تحد للمجتمع الدولي وتحذيراته من مؤتمر باريس الأخير.
إن التنسيق الأمني الذي يشير إليه نتنياهو مع بعض الدول العربية، ينطبق عليه إن صدق نتنياهو المثل العربي القائل: (كالمستجير من الرمضاء بالنار؟!).
دولة (إسرائيل) لن تكون جارة، على حد قول الشاعر أحمد فرح عقيلان، بل ستبقى عدوًا يبحث عن مصالحه، وعن تمزيق الدول العربية، وتفتيت قدراتها، وسوريا نموذج مهم في هذا المعنى، يجدر بالقادة العرب قراءته بعمق، وأتمنى أن تكون تلميحات نتنياهو عن تقارب خفي مع دول عربية هو محض خيال لا حقيقة فيه.