نهجان سياسيان يتصارعان على أرض فلسطين، نهج المقاومة الذي يرفض الهزيمة، ويراكم القدرة، ويمني الإرادة لمواجهة عدو إسرائيلي غادر، ونهج الاستسلام، الذي استسلم لطغيان العدو، واعترف علانية بعدم القدرة على مواجهة دولة الصهاينة، وانعدام الإرادة للقتال.
نهجان يتصارعان في كل الساحات للتأثير في الرأي العام، ولكل نهج أتباع ومؤيدون في الساحة الفلسطينية، وبين النهجين صراع عنيف تدور رحاه أيضاً على صفحات التواصل الاجتماعي، صراع يصل إلى حد التشهير والتشويه والإساءة والطحن والطعن والسحق دون تقديم الدليل أو الحجة أو الموقف النقدي المغاير، وهذا الصراع تعبير دقيق عن الحالة الفلسطينية المنقسمة على ما لا يجب الانقسام عليه، وهو مقاومة المحتل، والتصدي لعدوانه، ورفض التعاون معه، وشحذ الهمم والنفوس لمقاومته بكل ما أوتي الرجال من عزم وإرادة.
هذا الانقسام في الرأي لم يأت من فراغ، بل هو التعبير السلبي للموقف الرسمي الفلسطيني؛ الذي يجاهر بعدائه للمقاومة الفلسطينية، ويجاهر بتقديسه للتعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية، هذا الانقسام في المواقف لم نسمع به من قبل، ولم تهضمه المعدة الفلسطينية التي تقيأت علاقة التعاون مع المحتلين، وقد شهد التاريخ الفلسطيني تنافساً بين التنظيمات على عدد العمليات الفدائية، وكانت التنظيمات الفلسطينية تتباهى بعدد المواجهات بين رجالها والعدو الإسرائيلي الذي صار بالنسبة للبعض جاراً، له حقوق الجيرة، من الحماية والتعاون والصداقة والمحبة.
كانت التنظيمات الفلسطينية فيما مضى، تتنافس بعدد أسراها في السجون الإسرائيلية، وبعدد جرحاها في المواجهات، وعدد شهدائها، ولم يحدث عبر التاريخ الفلسطيني أن تجرأ الباطل على مناظرة الحق الفلسطيني، ليعلن أن المواجهات مع العدو الإسرائيلي تضر بالوطن، وأن التعاون مع العدو الإسرائيلي لمصلحة الوطن.
لقد ظل الباطل عبر تاريخ الثورة الفلسطينية ذليلاً، لا يجرؤ على رفع صوته في وجه الحق، ولا يفكر إلا بالنجاة من مشنقة الشعب الذي تحاصره بحبل الخزي والعار، لينقلب المشهد في هذه الأيام عن ارتفاع صوت الباطل، وصراخه في المواقع والساحات الإعلامية بلا خوف ولا حياء، وهو يتفاخر بأن التعاون مع المخابرات الإسرائيلية ما هو إلا موقف سياسي يخدم الشعب الفلسطيني، وأن العداء للمقاومة موقف سياسي، يصب في صالح الوطن فلسطين!!!
جولة الباطل هذه لن تطول، سيفضحها الفشل السياسي، وسيصفع قفاها العريض فعل المقاومة، وسيخنقها غضب الجماهير التي لم تعد مغفلة، ولا مضللة، ولا مغيبة، وقد وفرت لها الحضارة، ووسائل التواصل كل الإحداثيات، والمعلومات التي تخترق سهامها حصون الباطل الذي يشرئب برأسه هذه الأيام، مستثمراً الوضع الاقتصادي السيئ لأهل غزة، موظفاً الضائقة المالية لخدمة مشروع الصهاينة، الذي يتحالف فيه منطق أفيحاي أدرعي، الناطق باسم الجيش الإسرائيلي حين يقول: (الإرهابيون) الفلسطينيين يرسلون الأطفال للموت، ويهربون هم وأولادهم بعيداً، هذا الكلام لا يختلف كثيراً عن كلام محمود عباس لوفد إسرائيلي زاره في المقاطعة أول أمس، وضم يوسي بيلين، قال لهم محمود عباس: نحن ضد عمليات طعن الإسرائيليين، ونواجه الإرهاب والعنف بكل قوة، (الإرهابيون) يخبئون أولادهم، ويبعثون أولاد الناس للموت في مواجهتكم!!!
جولة الباطل هذه لن تطول، وشعبنا الذي مرغ المؤامرة في وحل المقاومة والانتفاضة والثورة على مر تاريخ النضال؛ لن يتأخر في المحاسبة، ولن يتوانى في إيقاع العقاب المناسب برؤوس هذا الحلف الصهيوني، الذي يشكل فيه أعداء المقاومة الفلسطينية العمود الفقري.