في الوقت الذي يُحيي فيه الفلسطينيون والإسرائيليون الذكرى الثالثة عشرة للانسحاب من غزة، ضمن خطة فك الانفصال الأحادي عنه، شهدت الساحة الفلسطينية في الأيام الأخيرة سجالا لافتا حول الأسباب الحقيقية لإخراج إسرائيل لقواتها من القطاع.
ولئن كان من الجائز والمشروع، بل واللازم، إخضاع هذه الخطوة التاريخية الإسرائيلية للنقاش العلمي الموضوعي، لكن لا يبدو متقبلا إغفال سبب لصالح آخر، أو تغليب عامل على آخر، دون تسويغ منهجي.
يبدو من الإجحاف الحديث عن الانسحاب من غزة دون إلقاء نظرة على حجم الهزيمة التي اعترف بها جنرالات الجيش الإسرائيلي، وتأكيدهم أن الانسحاب مثَّل تراجعا إسرائيليا حقيقيا أمام المقاومة، وشكل بنظرهم تآكلا لقوة الردع العسكرية، في الوقت الذي استطاعت فيه إسرائيل أن تردع الجيوش النظامية العربية.
لا يجد الإسرائيليون حرجاً في التصريح بأن السبب الأساس والدافع الرئيس لانسحابهم من غزة ما وصفوه بـ"العنف المجنون" المحيط بغزة، وكان سيغرق المستوطنين والجنود داخلها في حمام من الدماء، ولذلك أزال الانسحاب من تحت أقدام الغزيين "المجانين" بساط الأهداف العسكرية، وضيق من قدرتهم.
لم يتوقف الأمر على عتاة الجنرالات برفض الانسحاب، لتآكل قوة الردع لدى الجيش، فقد وافقهم من يقفون على يسار الخارطة السياسية الإسرائيلية، الذين تخوفوا من أن الانسحاب من غزة سيقوي المتطرفين الذين لا يريدون السلام، فقد أثبت أنه يمكن بالعنف الحصول على ما لا يمكن الحصول عليه بالتفاوض.
يرى معارضو الانسحاب من الإسرائيليين أنه أنشأ استنتاجا عند كثير من الفلسطينيين بأن اليهود يفهمون القوة فقط، وأن استعمال القوة فقط، ومزيد منها، سيخرجهم من الضفة الغربية على نفس الصورة التي خرجوا بها من غزة!
تؤكد هذه الآراء قناعة متوفرة لدى الساسة والعسكريين الإسرائيليين أن الانسحاب من غزة تم تحت ضغط المقاومة، مما يعزز قيمتها في معادلة الصراع القائمة، وضرورة النهوض بمستوياتها اللوجستية والتدريبية لمواجهة ساحة الصراع القادمة في الضفة الغربية والقدس.
هذه الاعترافات الإسرائيلية تؤكد أن الانسحاب تم تحت وقع ضربات المقاومة، صحيح أن الأمر قد يتداخل مع مشاريع إسرائيلية سابقة، لكنه لا ينفي أنه لولا عودة التوابيت السوداء المحملة بجثامين الجنود والمستوطنين القتلى في غزة، لما استعجل "شارون" بإخراج قواته من القطاع.
أخيراً.. قد يكون لأي منا موقف مسبق من حماس فيحاول نزع عنها أي فضيلة، وحرمانها، وقوى المقاومة، من أي دور في الانسحاب، وقد يكون لدينا على حماس ألف تحفظ ومأخذ بسبب أدائها في غزة بعد الانسحاب، لكن ذلك لا يجب أن يضع على عيوننا نظارة سوداء، اعدلوا يرحمكم الله!