بعد غياب استمر عدة أشهر، شكلت عملية الطعن ظهر أمس الأحد عودة مفاجئة إلى ظاهرة العمليات الفردية التي شهدتها الضفة الغربية والقدس وداخل (إسرائيل) منذ أكتوبر 2015، وهي التي أربكت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وأفقدتها صوابها، ليس لأن منفذي تلك العمليات امتلكوا أسلحة فتاكة، وترسانة صاروخية، ولكن لأنهم لم يملكوا هذه القدرات، نعم لم يملكوها، بل امتلكوا عنصر المفاجأة والإرادة الصلبة فقط!
لقد سبق لأجهزة الأمن الإسرائيلية أن دأبت على التحذير من ظاهرة العمليات الفردية، حين كانت آخذة بالتزايد والتعاظم مع مرور الوقت، عقب وقوع سلسلة طويلة من العمليات التي تنوعت بين الطعن بالسكاكين، والدعس بالسيارات، وإطلاق النار، وسط عجز عن إيجاد حلول لها.
إن عودة الهجمات الفردية في الضفة الغربية تعني أن ما تصفه (إسرائيل) بالوسائل الردعية ضد منفذيها، لم تثبت جدواها على المدى البعيد، لأن مواجهة هذه الهجمات مسألة طويلة ومعقدة، وتتطلب نفسا طويلا، خاصة وأننا أمام مهاجمين يتخذون قرار تنفيذ الهجوم في ذات اللحظة، مما يعقد الجهود الأمنية للعثور على أي منفذ محتمل.
ورغم هدم منازل المهاجمين، وسحب تصاريح العمل من ذويهم، وإغلاق المناطق التي يقطنونها، لكن كل ذلك لم يردع الفلسطينيين حتى اليوم عن تنفيذ المزيد من الهجمات، في ظل وجود خلافات بين قادة الأجهزة الأمنية والجيش حول مدى جدوى هذه الوسائل، وتأثيرها على الميدان.
جاءت عملية الطعن في مستوطنة غوش عتصيون في الساعات الأخيرة لتؤكد أن جيش الاحتلال وهو يخوض حربا حقيقية ضد ظاهرة العمليات الفردية، لم يعلن انتصاره النهائي عليها، فهي ما إن تخبو فترة، حتى يعود وهجها من جديد، رغم ما تبذله أجهزة الأمن الإسرائيلية من جهود استخبارية في أوساط السكان الفلسطينيين بالضفة الغربية.
تركزت جهود الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في ملاحقة هذه العمليات من خلال جمع أكبر عدد من المعلومات الأمنية عن المتوقع انضمامهم لموجة العمليات الفردية عبر معرفة أصدقائهم، وأوضاعهم المادية، وظروفهم النفسية، ومن يمتلك تأثيرا عليهم، وأي الشواهد التي يتركونها في الميدان تدل على أنهم قد ينفذون هجوما ما، لكن هذه الآلية، رغم أهميتها، لا توفر إجابات دقيقة مباشرة في كشف كل المنفذين، والدليل على ذلك منفذ العملية الأخيرة.
أخيراً.. لعل استمرار هذه العمليات الفردية في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أننا أمام ظروف ميدانية وأمنية بالغة السوء هناك، وأن العوامل المشجعة لاستئنافها واستمرارها، أكثر من عوامل إحباطها وتوقفها، ولنا أن نتصور، فقط مجرد تصور، لو توقف التنسيق الأمني سيئ الصيت أياما قليلة فقط، كيف ستتحول الضفة الغربية ساحة مرمى لاصطياد المستوطنين.