فلسطين أون لاين

​تخصيص سُوَر بـــ"نيةٍ دنيوية" يجوز دون أن يؤدي لهجر القرآن

...
غزة - هدى الدلو

بمجرد أن يدخل الوجع المعنوي القلب، أو انكسار مادي أو نكبة حلت بهذا الإنسان؛ ينصحه من حوله بقراءة سورة البقرة مدة 40 يومًا على التوالي بنية دنيوية، أو قراءة سورة يس لقضاء الحوائج، وقراءة سورة الواقعة للرزق، والملك كل مساء، والسجدة والأنبياء ويوسف بنية الشفاء والرزق، فقد يشعر بارتياح من قراءتها اليومية، فهل يجوز تخصيص قراءة سورة قرآنية دون باقي السور؟، هذا ما نتحدث عنه في السياق التالي:

قال د. زياد مقداد الأستاذ المشارك في الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية: "في البداية لابد من توضيح الحكم العام، وهو جواز الاستشفاء بالقرآن الكريم، فهناك كثيرٌ من الآيات القرآنية التي نصت على أن القرآن فيه شفاء للناس، لقوله (تعالى): {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}".

وبين أن هذا يعني أن القرآن في مجمله يجوز الاستشفاء به، وقراءته بنية الشفاء بإذن الله، ولكن تخصيص المسلم بعض السور القرآنية بصورة خاصة لتحظى بمزيد من العناية من تلاوة واستماع، لجلب منافع ودفع ضرر؛ فلا بأس من ذلك، كتخصيص سورة الفاتحة، أو آية الكرسي، أو سورة البقرة، فعن أبي أمامة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة".

وأضاف د. مقداد: "أي أنه لا مانع من تخصيص المسلم سورة معينة للقراءة والمداومة عليها، دون أن يؤثر ذلك على باقي القرآن ويؤدي إلى هجره وإهماله، لأن ذلك له علاقة بتأثر خاص لديه من فهمه لمعاني السورة، والتأثر بمضمونها، ولكن ينبغي أن يحتاط المسلم في ذلك حتى لا يدخل في الابتداع".

وأكد ضرورة ألا يعتقد المسلم أن ما يقوم به من تخصيص معين لبعض السور فيه دليل شرعي، فبذلك يُحمَّل الشريعة الإسلامية ما لا تحتمل.

وذكر د. مقداد أنه عن أنس بن مالك قال: "كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، فكان كلما افتتح سورة قرأ لهم في الصلاة "قل هو الله أحد" حتى يفرغ منها، ثم يقرأ بسورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه فقالوا: "إنك تقرأ بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزيك حتى تقرأ بسورة أخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بسورة أخرى"، قال: "ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بها فعلت، وإن كرهتم تركتكم"، وكانوا يرونه أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي (صلى الله عليه وسلم) أخبروه الخبر، فقال: "يا فلان ما يمنعك مما يأمر به أصحابك، وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة؟"، فقال: "يا رسول الله، إني أحبها"، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إن حبها أدخلك الجنة)".

وأكد أنه يجب على المسلم المخصص لسورة في القرآن بقراءتها ألا يفعل ذلك باعتقاده أنه ورد فيها نص، فيجوز قراءتها بغير تخصيص أو دليل، ودون تحديد معين بأرقام، كأربعين يومًا، أو تحديد أيام محددة، فيمكنه تكرار قراءتها حتى تحقيق مراده كالوصول إلى الشفاء، لأن التحديد ليس له أي أصل في الشرع.

وختم د. مقداد حديثه: "الأصل فيما يتعلق بأمور القرآن الكريم والسنة النبوية الالتزام بما جاء بها من نصوص، وعدم التوسع فيها بغير دليل، لأنه بذلك يقيم سدًّا للذريعة على كثير من الناس الجهلة، والذين يستغلون الآخرين بشعوذتهم، قاصدين أن يوهموا بأنهم أكثر علمًا وفراسة".