بعد هدوء لعدة أسابيع، بسبب النشاط الذي شهدته المباحثات المكوكية بين غزة ورام الله والقاهرة وتل أبيب، عادت مسيرات العودة على حدود قطاع غزة الشرقية والشمالية والجنوبية إلى حراكها الشعبي الذي سبق الاستراحة الأخيرة، وقد امتازت جمعة أول من أمس بزخم شعبي كبير، متزامنًا مع أداء ميداني من قبل الشبان والفتيان بصورة ملحوظة.
كانت عودة هذه المسيرات أمرا متوقعا، في ظل وصول المقاومة في غزة لقناعة واضحة أن الهدوء الأمني على الحدود ربما فهمته إسرائيل، ومعها الوسطاء الإقليميون والدوليون خطأ، وهو يعني بنظرهم أن الفلسطينيين يقتربون من طي صفحة هذه المسيرات، والرضا بما قد تسفر عنه مباحثات القاهرة من جهة، أو الرضوخ لمطلب رام الله بتقديم المصالحة على التهدئة، وفق شروطها.
غير المتوقع، بصورة أو بأخرى هي ردود الفعل الإسرائيلية على الزخم الشعبي لهذه المسيرات أول من أمس، وما رافقها من عودة لإطلاق البالونات الحارقة والطائرات الورقية المشتعلة، وبعض عمليات التسلل وتخريب المواقع العسكرية الإسرائيلية الحدودية.
لم تعد إسرائيل بسرعة إلى سيرتها الأولى في الرد على ما تعتبره عمليات عنف ضد منشآتها وآلياتها العسكرية على حدود غزة، كما كان الأمر قبل الاستراحة الأخيرة ، حين كانت ترد على كل سلوك من هذا النوع بقصف مواقع للمقاومة في غزة، أو استهداف مباشر للشبان المتسللين.
صحيح أن السلوك الدامي ما زال سمتًا أساسيًا لقوات الاحتلال ضد المتظاهرين السلميين في مسيرات العودة، بدليل ارتقاء عدة شهداء وعشرات الجرحى أول أمس، لكن هذه السطور تعالج الأداء الإسرائيلي إزاء ما تعتبره فعلًا فوق العادة لهذه المسيرات يتصف بالخشونة والقسوة من خلال تلك الممارسات الميدانية، خاصة تخريب المنشآت العسكرية والمواقع الاحتلالية الحدودية.
ورغم أن الشبان الفلسطينيين زادوا من جرعة تحديهم لقوات الاحتلال من خلال إشعال إطارات السيارات داخل الأراضي المحتلة، فيما وراء السياج الحدودي، وإطلاق طائرات ورقية زعمت إسرائيل أنها تحمل متفجرات، وليس هناك من تثبت من هذه المزاعم، فضلا عن المشاغلات الليلية الأخيرة، لكن الجيش الإسرائيلي لم يرفع وتيرة رده، كما ساد الأمر في السابق.
السؤال المطروح: هل يمكن ان يستمر الوضع بهذه الصورة، بحيث تزيد المقاومة في حراكاتها الشعبية، التي قد تتسم "بالخشونة"، فيما يواصل جيش الاحتلال الرد بهذه الطريقة "المنضبطة"، لاعتبارات شتى؟
يصعب الخروج برأي محدد، وإن كان السبب المباشر في هذا الانضباط الإسرائيلي المفتعل قد يعود لرغبة المستوى السياسي في تل أبيب بعدم خروج الأمور عن السيطرة في القطاع، ومحاولة تثبيت الحالة التي سادت خلال الأسبوعين الماضيين: لا تهدئة ولا تصعيد ولا تحسينات معيشية جوهرية في غزة... هذه الحالة هي التي لا تبدو قابلة للاستمرار، وفق القناعات السائدة في غزة، والبقية عندكم!