اقتحمت شرطة الاحتلال الإسرائيلي بأسلحتها وجرافاتها قرية أم الحيران في النقب، فقتلت أحد أبناء القرية، وشرعت في تجريف بعض البيوت تمهيدًا لترحيل سكانها البالغ عددهم ألف نسمة، مقدمة لبناء مدينة يهودية مكانها، سكان القرية واجهوا المحتل بكل ما أوتوا من قوة، وقتلوا شرطيًّا إسرائيليًّا، وهي من المرات النادرة التي يتكبد فيها المحتل خسائر بشرية عند هدمه منازل في المناطق المحتلة عام 1948م، وقبل أسبوع هدمت قوات الاحتلال عشرة منازل في مدينة قلنسوة تخص السكان الفلسطينيين، بدعوى عدم وجود تراخيص، ولكن الهدم في قلنسوة أو أم الحيران أو العراقيب أو غيرها من مدن وقرى الداخل الفلسطيني يأتي في سياق قرار لنتنياهو بهدم 50 ألف منزل للفلسطينيين، وقد وصف قادة الجماهير الفلسطينية في الداخل المحتل بأن ما يجري ما هو إلا إعلان حرب فعلية على أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل.
الحرب التي يشنها نتنياهو على أهلنا في الداخل المحتل هي الإجابة الوحيدة عن سبب فشل اتفاقية أوسلو، مع مرور أكثر من عشرين عامًا على توقيعها، لأن اتفاقية أوسلو على عدم شرعيتها وبؤسها تعطي الفلسطينيين دولة خالصة لهم في مناطق محددة بفلسطين، ولكنها في المقابل تعطي اليهود دولة يعيش فيها قرابة مليوني فلسطيني، وهؤلاء هم المعضلة الحقيقية والكابوس الدائم الذي يقلق قادة الكيان الغاصب.
الفلسطينيون يتكاثرون بوتيرة أسرع بكثير من النمو السكاني لليهود، والمخزون اليهودي في العالم وما يسمى الهجرة إلى فلسطين لن يكونا حلًّا لمواجهة النمو السكاني الفلسطيني، فمن جهة لا يمكن للكيان العبري الاستغناء عن ثقل جماهيري مؤثر في الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من الدول الداعمة له بفعل اللوبي اليهودي، ومن جهة أخرى إن المقاومة الفلسطينية طاردة للسكان اليهود، وهي عامل قوي للهجرة العكسية، وتزداد الظاهرة وضوحًا مع كل معركة يخسرها الاحتلال أمام المقاومة الفلسطينية.
لدينا انتفاضة في الضفة الغربية مرشحة للتصاعد، ولدينا مقاومة في غزة قادرة على ردع المحتل الاسرائيلي، وأعتقد أننا بصدد هبات جماهيرية قد تتحول إلى انتفاضة شرسة في الداخل المحتل (مناطق الـ48)، وهذا يعني أنه كما يفرض الاحتلال نفسه على الكل الفلسطيني إن الكل الفلسطيني سيكون له رد الفعل نفسه، وهو المقاومة بكل أشكالها، أما اتفاقية أوسلو و"المبادرة العربية للسلام" وكل تلك القصص الخرافية فليس لها أي نصيب على أرض الواقع، وقد تختفي دون أن يلاحظها أحد.