في الوقت الذي تحتفل فيه إسرائيل بالسنة العبرية الجديدة، جرت العادة أن يكتب زعماؤها وكبار قادتها مقالات، ويدلون بتصريحات، ويجرون مقابلات، يتحدثون فيها عن مستقبل الدولة، وتطلعاتهم نحوها، ويستعرضون إنجازاتها.
وقعت عيني يوم أمس على مقابلة مطولة مع إيهود باراك، رئيس الوزراء ووزير الحرب وقائد الجيش الأسبق، الذي عاد إلى المشهد السياسي الإسرائيلي بعد غياب طويل، وكان لافتا أن يتحدث هذا الجنرال بكلام خطير، وغاية في الخطورة.
نستعرض في هذه العجالة بعضا مما ذكره باراك نظرا لأهميته: "أشعر بالقلق من الصورة السائدة عن إسرائيل في العالم، لأنها دخلت في حالة من التيه، لأن السياسة الرسمية للدولة تصل زوايا خطرة، وفي ظل ما تصدره من قوانين وتنتهجه من سياسات فإن ذلك يعني أنها باتت ضعيفة، وليس من هدية لحركة المقاطعة العالمية، أفضل من هذه السياسات والقوانين، التي تقول للعالم أن كل ما يقوله أعداء إسرائيل عنها صحيح".
باراك، وإن بدا قاسيا في انتقاداته، جارحا في اتهاماته، لكنه ليس الأول في قائمة الزعماء الإسرائيليين الذين يعترفون بالمآلات الصعبة للدولة، ولا يبدو أنه سيكون الأخير.
لكن الجديد في كلامه، أنه يتحدث به وهو يدخل عقده الثامن، ويبدو كما لو كان زعيم المعارضة الفعلي في إسرائيل، والمنتقد الأكبر لنتنياهو، والأكثر حزما وقسوة عليه، بعكس باقي زعماء المعارضة الذين لديهم حسابات داخلية وخارجية، ويعتبر نفسه المقاتل المتقدم للحفاظ على صورة الدولة، ويعتبرها المعركة الأخيرة التي يخوضها في حياته.
لكن المشكلة التي تطرح أمامنا كفلسطينيين: كيف لهذه الدولة التي تعاني إشكاليات كبيرة في تركيبتها البنيوية، وخلافات طاحنة بين مكوناتها الحزبية، أن تفرض برنامجها السياسي علينا، وترسخ سياستها العدوانية تجاهنا، وتعمل على إذابة كل هذه التباينات التي تعانيها، وتتوحد كلها خلف القضاء على ما يمكن وصفه بالمشروع الوطني الفلسطيني، الذي بتنا نختلف حول توصيفه الدقيق.
الإسرائيليون الذين يمتلكون الجرأة على توجيه الانتقادات لما آل إليه كيانهم الاحتلالي، يبتعدون في ذلك عن الاستقطابات الحزبية الطاحنة بينهم، لكن رجلا بوزن باراك يدلي بهذه الاعترافات الثقيلة وهو في حل من أي تنافس حزبي، أو مناظرة انتخابية، وهو أمر حري بنا كفلسطينيين أن نتلقفه، ونعمل على محاكاته، من خلال إجراء مراجعة نقدية لما وصلت إليه مسيرتنا الوطنية بعد دفع هذه الأثمان الباهظة، والتكاليف الثمينة.
نحن الفلسطينيون، أصحاب الحق في هذه الأرض، أولى من عدونا المحتل، لأن نقدم كشف حساب بهذه المسيرة الطويلة: أين وصلنا فيها، هل أصبنا أم أخطأنا، وما هي أخطاؤنا، وكيف يمكن تقييم هذه المسيرة وصولا إلى تقويمها، فهلا فعلنا ذلك؟