تواصل الإدارة الأمريكية الحالية التي تقف على يمين اليمين الإسرائيلي حرق سنوات من الزمن بجرة قلم، وتحاول جاهدة طي صفحات القضية الفلسطينية برمتها، من خلال خطوات خطيرة، وقفزات، تبدو كما لو كانت في الهواء، بدأت بنقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس المحتلة، مرورا بتقليصات متلاحقة من حصتها في موازنة الأونروا، وحديثها عن إعادة تفويض المنظمة الدولية، وصولا إلى تراجع نصيبها في دعم الخزينة الفلسطينية الرسمية، مما ينذر بعجز السلطة عن قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الداخلية.
اليوم تصل الإجراءات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية بما يمكن تسميته الذروة، حين أعلنت الولايات المتحدة رسميا إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، عقب توجه السلطة لفتح تحقيق جنائي ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، بما يثير قلق الإدارة الأمريكية والكونغرس.
ربما تتجاوز هذه الخطوة الأمريكية الشكل البروتوكولي إلى التعبير الجدي عن السياسة الأمريكية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية، والموقف من إسرائيل، في ظل حالة التقارب والتحالف منقطعة النظير بين تل أبيب وواشنطن.
حتى إن الإسرائيليين يرون في ترامب هدية من السماء لا يجب التفريط به، بحيث يتم استغلال كل لحظة في ولايته الأولى التي تقترب من نهاية عامها الثاني بعد أشهر قليلة، ومن يعلم فلعل الرجل المجلل بالفضائح المتلاحقة يحظى بولاية رئاسية ثانية إن قدم قرابين الولاء للوبي الصهيوني داخل أمريكا، ومؤسسات صنع القرار فيها.
من الصعب الحديث عن خطوة إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بمعزل عن الزيارة الأخيرة لمستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون إلى إسرائيل مؤخرا، وقد استمرت عدة أيام، بحث قضايا اهتمام مشترك ثنائية، ويبدو واردا أنه تطرق لهذه المسألة مع الحكومة الإسرائيلية، التي تريد العودة بالتاريخ ثلاثين عاما إلى الوراء، وتطوي صفحة ما تعتبره الخطيئة الأمريكية التي وقعت عام 1988 حين تم الاعتراف بمنظمة التحرير، وأعقب ذلك انطلاق عملية التسوية في مدريد.
يرى الإسرائيليون أن الخطوة الأمريكية بإغلاق مكتب منظمة التحرير تعني التضييق أكثر فأكثر على ما تبقى من فرص لإحياء المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، والعمل بجانب الأمريكان لمحاولة فرض حلول بلغة الأمر الواقع على الفلسطينيين.
هذا التوجه الإسرائيلي المدعوم بقرارات أمريكية، قد يتمثل بإبقاء الوضع على ما هو عليه في الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر حالة انقسام كارثية، وتعزيز حالة عدم الاحتلال المباشر والانتقاص من السيادة الفلسطينية في الضفة الغربية، وصولا لما يمكن أن نسميه توسيعا للحكم الذاتي، بما يتماشى مع تغييب العنوان الرسمي لمخاطبة الفلسطينيين عبر منظمة التحرير الفلسطينية.