لا مناص لدولة الكيان الصهيوني غير القبول بالتهدئة التي يعرضها ممثل الأمم المتحدة للسلام ملادينوف، فالبديل عن التهدئة صعب بنتائجه المجهولة على الإسرائيليين أكثر مما هو صعب على أهالي قطاع غزة، وذلك لأسباب كثيرة، سبق وأن أشرنا إليها، ويبقى أهمها؛ عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على حسم المعركة وفق قدراته، وهذا أولاً، أما ثانياً، فإن أهل فلسطين سيخرجون من المواجهة أكثر وحدة وطنية، وأقل خسائر مما كانوا عليه قبل المواجهة.
لقد تميز الأسبوع الماضي بمفارقاته الغريبة، حيث ظهر محمود عباس في لقاءين مع وفدين من الصهاينة، أعلن عباس خلال اللقاء الأول عن موافقته على دولة منزوعة السلاح، وأعلن خلال لقائه الثاني عن مستوى التعاون الأمني مع رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية، والذي وصل إلى حد التماهي والتآخي بنسبة 99%، وأنه أوصى قادة الأجهزة الأمنية بالتعاون الأمني مع نظرائهم الإسرائيليين، وعدم التقصير في حماية المستوطنين، وضمان أمنهم مئة بالمئة.
هذه التصريحات التي أطلقها محمود عباس في ذروة التفاوض حول التهدئة مع غزة كانت بمثابة رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي، قدم خلالها عباس نفسه كالرجل الوحيد المخلص المتفاني في سبيل أمن الصهاينة، وقد تزامن مع هذه التصريحات، ما ورد في بعض وسائل الإعلام بأن عباس هدد إسرائيل قائلاً: عليكم الاختيار، إما أنا محمود عباس، وإما حماس، وإن اخترتم حماس، ووافقتم على التهدئة معها، فمبروكة عليكم حركة حماس!!!
ضمن هذا السياق جاء تصريح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي عن جاهزية الجيش لتنفيذ كل ما سيطلب منه في المستقبل من حرب ضد غزة، وفي تقديري أن هذا التصريح يأتي ضمن الحرب النفسية التي تشن على أهالي قطاع غزة، ولا سيما أن التقارير عن آخر اجتماع وزاري مصغر، أشار إلىتباين المواقف بين المخابرات الإسرائيلية التي حذرت من أي تهدئة مع غزة، وانعكاساتها السلبية على مزاج الفلسطينيين في الضفة الغربية، وبين موقف الجيش الذي حذر من المواجهة، وحرض على البحث عن بدائل سياسية.
ما سبق من حديث يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية تلعب بأوراق التهدئة في اتجاهين:
الاتجاه الأول: الضغط على محمود عباس من خلال التهدئة مع غزة لتقديم المزيد من التنازلات السياسية، ثم تشجيعه على تقديم المزيد من الخدمات الأمنية الإستراتيجية المجانية.
الاتجاه الثاني: الضغط على رجال المقاومة في غزة كي يخففوا من شروطهم، وعدم المغالاة في مطالبهم، مع تقديم المزيد من التنازلات في ملف اٍلأسرى، وهذا ما عبر عنه الوزير يوآف جالنت، الذي اشترط التهدئة مع غزة بإطلاق سراح المفقودين في غزة.
ضمن هذا المشهد المتباين كانت تصريحات مبعوث الأمم المتحدة للسلام، ملادينوف، الذي أكد علىعدم الاستكانة، وتواصل مساعيه لتحقيق التهدئة، حيث قال: هنالك أطراف تسعى لإشعال الحرب بين غزة وإسرائيل، ونحن حريصون على عدم الوصول إلى المواجهة الشاملة.
فإلى أي مدى ستضغط الحكومة الإسرائيلية على رجال المقاومة لتحقيق مكسب تفاوضي أخير قبل التوقيع على شروط التهدئة، ولاسيما بعد أن وظفت تشنج محمود عباس لمصالحها التفاوضية، ويعزز هذا التشنج انحراف طريق البضائع المصرية التي كانت تمر عبر بوابة صلاح الدين، وانتقالها لمعبر كرم أبو سالم الذي يصب ضرائبه في خزائن السلطة؟
وإلى أي مدى ستضغط المقاومة على الإسرائيليين من خلال تصعيد مسيرات العودة، وربما التصعيد الميداني محسوب النتائج، بهدف انتزاع أحسن الشروط لرفع الحصار عن أهل غزة؟
الأيام القادمة فاصلة بهذا الشأن، وأزعم أن مصالح الإسرائيليين الأمنية والإستراتيجية أهم بكثير من كل الأشخاص والأسماء، ولإسرائيل مصلحة في التهدئة تفوق مصلحة أهالي غزة.