يأتي اختيار القدس عاصمة للثقافة الاسلامية لعام 2019 في ظل هجمة غير مسبوقة على القدس من قبل أعداء القدس وأدعياء القدس ، فمن الإجراءات الإجرامية التي تقوم بها سلطات الاحتلال والتي تسير قدما باتجاه تزييف معالم القدس والتهويد وتغيير الوقائع على الارض وتغول الاستيطان والعمل المتسارع والدؤوب على تثبيت القدس عاصمة لهم مع انكار للحق العربي والاسلامي والاستحواذ على الارادة الامريكية السياسية وجرها الى مربعهم الاسود ، والذي كان نتاجه الاعلان الامريكي بنقل سفارتهم للقدس وإدارة الظهر لاتفاق أوسلو الذي أجل مشكورا البحث في موضوع القدس ، فجاؤوا بقرارهم من طرف واحد وهو بالمناسبة راعي الاتفاق وهذا من هزليات السياسة الامريكية في المنطقة .
في هذا السياق يأتي قرار " القدس عاصمة الثقافة الاسلامية للعام 2019 ، واذا كان المطلوب من الامة الاسلامية أكثر من هذا بكثير الا أن اتخاذ هذا القرار على الصعيد الثقافي لا شك بأنه خطوة هامة جدا ، وهنا يبقى الاهم وهو ان نحسن نحن الفلسطينيين اهتبال هذه الفرصة وان نتحرك بما يتناسب بكون القدس بالفعل هي عاصمة الثقافة الاسلامية ، والسؤال الاهم هو كيف نتحرك وماذا نفعل بما يتناسب مع مكانة القدس ؟
مصيبة كبرى اذا ذهبنا باتجاه الحديث فقط عن مكانة القدس ورمزية القدس على الطريقة العربية في الاكتفاء بسحر الكلام الذي يعمي عن رؤية الواقع كما وصف ذلك المفكر الدكتور ماجد الكيلاني .. لابد من أن ننتج ثقافة تليق بمكانة القدس وان نوصل هذه الثقافة الى جميع الشعوب الاسلامية والتي اختارت القدس عاصمة ثقافية لها . واذا اردنا ثقافة عملية فعلينا أن نمحور ما نقوم به من أجل القدس هو كيف نحرر القدس ؟ وماذا على المسلم أن يفعل حتى يسهم في تحرير القدس ؟ ما هو المطلوب فعله من الامة حكومات وشعوبا حتى تتقدم خطوات باتجاه تحرير القدس ؟ هذه هي الثقافة المطلوب : ثقافة عملية مبينة على العلم والمعرفة والاستفادة من تجارب الاخرين وقراءة التاريخ والجغرافية السياسية بدقة واحتراف ، القدس تماما كالأسير والاسير لا يفكر الا بالتحرر وشعبه الحر يفكر جيدا كيف يحرر أسراه ، القدس كذلك : يجب ان نفكر قبل كل شيء بتحريرها وان ننشر ثقافة تحرير القدس ، نزرع الثقة وروح الانتصار ونتخلص من ثقافة الهزيمة وتبرير الواقع ..
لا بد من التأكيد أننا قد بتنا في العالمين العربي والاسلامي بين ثقافتين : ثقافة الهزيمة وثقافة الانتصار وهناك صراع قوي بين الثقافتين ، القدس يجب ان تقود العالم الاسلامي نحو ثقافة الانتصار وأن تحرره من اصار وأغلال ثقافة الهزيمة : جريمة ما بعدها جريمة ان يتحدث باسم القدس مطبعا أو متنازلا او بروح مهزومة منبطحة لتداعيات الواقع المرير ، للقدس فرسانها الذين ضحوا وما زالوا قابضين على الجمر ومتحفزين لمقارعة المحتل ، هناك فرق بين ان يتحدث عابد الحرمين او ان يتحدث من هو في خندق المقاومة . وأبيات الفضيل بن عياض معروفة :
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعهفنحورنا بدمائنا تتخضب ...... الخ
القدس عاصمة الثقافة الاسلامية تعني انها عاصمة المقاومة لكل قوى الظلم والطغيان ، المحتل وكل من يقف خلفه او مسالما له أو متساوقا معه أو لديه ادنى استعداد لقبول اية سيادة له على ذرة من تراب القدس .
القدس عاصمة الثقافة تضعني بين دفتي كتاب رائع يوضح لنا معالم هذه الثقافة : الكتاب بعنوان : هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا حررت القدس للدكتور ماجد الكيلاني ، وفيه شرح واف لكل ما هو مطلوب من مؤهلات ومواصفات للجيل القادر على تحرير القدس ، الكتاب لا يضع القدس وتحريرها على عاتق الحكام او قيادة ملهمة ولو كانت نسخة طبق الاصل عن صلاح الدين وانما على عاتق جيل كامل بكل مكوناته ، الكل ينتمي للقدس ويبذل كل ما بوسعه لتحرير القدس ، القدس هي أكبر همه وهي روحه وهدفه ، القدس برنامج عمل وحركة دائبة لجيل التحرير .. فالنجاح الثقافي والاخلاقي والقيمي والتربوي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي وبكلمة واحدة الحضاري هو ميادين العمل للجيل الذي سيحرر القدس .
أخشى ما نخشاه في مثل هذا الاختيار ان نكتفي بالكلام وعقد المؤتمرات والمهرجانات الثقافية والنتيجة العملية تكون صفرا .. اعداؤنا يتكلمون ويفعلون ونحن نكتفي بالكلام .. يجب ان نفعل ولدينا الكثير الكثير من الذي يجب ان نفعله .. لا بد من العمل الدؤوب على صناعة جيل النصر وأن تكون القدس هي البوصلة وحادية المسير وملهمة الروح ..