اكتشافٌ خطيرٌ تم حديثاً في الساحة السياسية الفلسطينية توصلت له مجموعة من علماء المقاطعة من العارفين والمخضرمين في السياسة يقول بأن التهدئة في غزة خيانة للمشروع الوطني الفلسطيني وتقويض له وتساوق مع صفقة القرن، خاصة إن لم يتم تحت سقف منظمة التحرير الفلسطينية.
يا لروعة الاكتشاف و يا لروعة المكتشفين، الذين تعاملوا مع الموضوع وفق مبدأ "أن تكتشف متأخرًا خيرٌ من ألا تكتشف"، وأمام هذا الاكتشاف سأفترض أن التهدئة خيانة، وأطرح أسئلة؟ تُرى من الذي دفع غزة لمثل هذه الخيانة؟ وكيف يمكن أن تكون التهدئة خيانة للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وتقويضاً للمشروع الوطني حسب رأي الشخصية الأكثر تقلباً الجهبذ عزام الأحمد؟ وهل منظمة التحرير قادرة على حماية القضية والشعب؟ وما هي أوجه مقاومة السلطة لصفقة القرن غير الشعارات التي ما جرحت قطاً صهيونياً؟
كثر الحديث هذه الفترة عن تهدئة مع الاحتلال، اختلفنا، بعضنا رفض وبعضنا لا يرى حرجاً في ذلك، انطلاقًا من فقه الواقع، مع عدم التخلي عن البندقية، وما أحسب أني بحاجة إلى الإفاضة في الحديث عن جمهور المنتفضين ضد فكرة التهدئة بغزة، لأن الكل يعرف أن التهدئة ليست من باب الترف والرفاهية، بل هي "مجبر أخاك" وهي ليست غاية المنى، وليست تعني تسليم سلاح المقاتل للعدو، بل وسيلة واستراحة مقاتل ليبدأ رحلة إعداد جديدة.
لا أدري هل الاعتراض على تهدئة مع الاحتلال لأنه يقتحم الاقصى ويحاصر غزة ويصادر أراضي الضفة الفلسطينية؟ ولسنا ندري كيف تكون تلك الخطوة الاضطرارية ضرباً من ضروب الخيانة رغم أنها تُبقي أصابع المجاهدين على زناد البندقية، بينما التنسيق الأمني الذي جفف حرارة الثورة من شرايين الثوار، هو حامي حمى المشروع الوطني الفلسطيني.
الشواهد تؤكد أن الاعتراض ليس على ذلك، لأن سيوف المعترضين قد هدأت عن قتال الاحتلال فأراحت واستراحت، وأن هذه السيوف تشارك الاحتلال في قتل غزة وحصارها، بل هي أشد لأن ظلـم ذوي القربـى أشــدُّ مضـاضـة...على المرء من وقع الحسام المهند، ويغضون الطرف عن اقتحامات المستوطنين للأقصى، والتنسيق الأمني على قدم وساق، وأراضي الضفة تهود وتصادر رغم أن السلطة لديها جيش يسد عين الشمس، إذن علام يعترضون؟
الاعتراض منبعه أنهم قلقون من أنها قد تؤتي ثماراً عجز سيدهم عن جنيها طيلة فترة طويلة من الزمن، وأن تسحب بساط التأثير من تحت أقدامهم، لذلك أطلقوا العنان لأبواقهم بأن التهدئة هي تساوق مع فكرة صفقة القرن وفصل غزة عن باقي الوطن، ومن يستمع لذلك يظنهم قد أعدّوا العدة وجهزوا الجيوش لصد صفقة القرن.
ثم كيف تقوض التهدئة ُ المشروع الوطني، وهل من أبجديات المشروع الوطني إشهار السيوف في وجوه المناضلين، وهل معيار الوطنية عند أولئك هو مطابقة السلوك الفلسطيني الرغبة الصهيونية بأن تجعلنا عبيداً في حظائرها نأكل ونشرب وننام، الاجابة التي يراد لها أن تصبح من بديهيات العمل السياسي "نعم".
وبخصوص انتفاء صفة الخيانة عن أي علاقة مع الكيان الصهيوني طالما أنه ولد برعاية منظمة التحرير، هل منظمة التحرير هي من تمنح صكوك الغفران والبراءة من الخيانة؟ أم لأن فصائل ذات ثقل في الميدان غير موجودة فيها، فيستطيع عباس تمرير ما يريد، ثم كيف لي أن أصدق أن منظمة مهترئة يمكن أن تحمي حقوق الشعب وهم لا يتحركون _وباعترافهم_ إلا بإذن من عسكري صهيوني قذر لا يغسل وجهه إلا قليلا؟
نعم لتهدئة لا تنتقص من حقوقنا وتواثبنا، وتكون مبنية على أنه من حق الشعب في أن يرتاح من عناء الحصار، وأن تبقى يد المجاهدين على البندقية.