في الوقت الذي تمعن فيه (إسرائيل) حربها ضد الفلسطينيين قتلًا في الضفة الغربية، وتجويعًا في قطاع غزة، وتهويدًا في القدس المحتلة، فإنها تواصل اختراقها للعواصم العربية، عاصمة تتلوها عاصمة، وكأن ما يحصل في فلسطين المحتلة لا يعني صناع القرار العربي في شيء.
وفي الوقت الذي تواصل فيه الطائرات الإسرائيلية قصف أهداف لها في قلب غزة، وتقتل المصريين في سيناء، والسوريين في بلاد الشام، وتهدد بضرب بغداد الرشيد بزعم وجود قواعد إيرانية، فإن دولا أخرى تفتح ذراعيها للإسرائيليين المحتلين، وكأن هذه العدوانات الإسرائيلية تستهدف بلاد الواق واق، وليس أراضي العرب وأجواءهم.
كان من سوء الطالع أن يعثر كاتب السطور على تقريرين إسرائيليين في يوم واحد يتحدثان عن بث النشيد الوطني الإسرائيلي المعروف باسم "هاتكفاه" ويعني الأمل، في داخل القصور الرئاسية العربية والمدرجات الرياضية العربية.
الحادثة الأولى حصلت حين قدم السفير الإسرائيلي الجديد في الأردن أوراق اعتماده أمام الملك في القصر الملكي، وقد كان أمرا نادر الحدوث في مثل هذه المناسبات الدبلوماسية التي لها عرف بروتوكولي متبع أن يتم بث "هاتكفاه" أمام الملك والحاشية وكبار الحضور من الوزراء والمسئولين.
الحادثة الثانية ما أعلنه الاتحاد الإماراتي للعبة الجودو عن استقباله للرياضيين الإسرائيليين في المسابقة التي تستضيفها أبو ظبي قريبا، واستعداده هذه المرة لرفع العلم الإسرائيلي وبث نشيد "هاتكفاه" في قلب هذه الإمارة العربية، أسوة بباقي اللاعبين المشاركين من جنسيات أخرى.
هاتان الحادثتان، على سوئهما، عرفتا طريقهما للإعلام والتغطية الصحفية، لكن هناك حوادث أخرى، ما زالت بعيدة عن وسائل الإعلام، حيث يتوافد المسئولون الإسرائيليون إلى عواصم العرب، ويرد عليهم مبعوثون عرب بزيارة تل أبيب، سراً وعلانية، وهو أمر لم يعد للأسف الشديد مثار خجل يستدعي الإخفاء والتعتيم.
تعتقد (إسرائيل) من جهتها أنها تستطيع إغفال الصراع مع الفلسطينيين من دون حل، طالما أن علاقاتها سمن على عسل مع محيطهم العربي وعمقهم الإسلامي، من خلال تواصل الزيارات المتبادلة بين تل أبيب والعواصم العربية المختلفة شرقا وغربا: القاهرة وعمان والدوحة والرياض وأبو ظبي والرباط، وربما غيرها، لا أحد يعلم حتى اللحظة.
وفيما لم تعد تشترط فيه العواصم العربية على الإسرائيليين إنهاء معاناة الفلسطينيين كشرط قبل تطبيع العلاقات معهم، فقد سمح ذلك لإسرائيل أن تتبجح بأن علاقاتها العربية، تسير على قدم وساق، لأن المسئولين العرب ينشغلون في مباحثاتهم مع نظرائهم الإسرائيليين في بحث "التهديدات" المشتركة، وقلما يثيرون موضوع الصراع مع الفلسطينيين.
لم يبق إلا أن نردد "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم".