في الوقت الذي تتخذ فيه الإدارة الأمريكية سلسلة إجراءات وسياسات متسارعة لطي ملفات القضية الفلسطينية، وكأنها في سباق مع الزمن، تبدو قراراتها الأخيرة الخاصة بالأونروا ممثلة للموقف الإسرائيلي برمته، وهو يشكل الإجماع الإسرائيلي المعارض لأي عودة للاجئين الفلسطينيين.
وقد كشفت الصحافة الإسرائيلية في الساعات الأخيرة عن رسالة سرية وجهها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض قبل أسبوعين أعلن فيها أن (إسرائيل) غيرت موقفها من الأونروا، وتدعم وقف التمويل الأمريكي لها.
تشير هذه الرسالة الإسرائيلية الخاصة بالأونروا إلى ما يمكن وصفه بالتباين في وجهات النظر بين المستويين السياسي والأمني في إسرائيل، حول الموقف من الإجراءات التي أعلنتها الإدارة الأمريكية ضد الأونروا.
كاتب السطور اطلع على نقاش إسرائيلي جدي حول المسألة، مما يعني أننا أمام تغير جوهري في السياسة الإسرائيلية تجاه الأونروا تبناه نتنياهو دون التشاور مع الجهات الأمنية.
مع العلم أن هذه الأجهزة تتبنى السياسة الإسرائيلية الرسمية المتمثلة بمنع إجراء المزيد من التقليصات الكاملة والفورية للتمويل الأمريكي للأونروا، خاصة في قطاع غزة خشية من اندلاع أزمة إنسانية، وانهيار معيشي، وتدهور أمني.
مع العلم أنه تم دعم هذه السياسة من قبل كبار ضباط وجنرالات الجيش والمخابرات في إسرائيل، وهو موقف تم نقله للإدارة الأمريكية والبيت الأبيض والكونغرس.
ولذلك جاء التغيير في الموقف الإسرائيلي المؤيد لواشنطن ضد الأونروا دون إجراء المشاورات التقليدية والمتبعة مع كبار قادة أجهزة الأمن الإسرائيلية، ولا في المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، مما جعل كبار الضباط يشعرون بالمفاجأة غير السارة من هذا السلوك من قبل نتنياهو.
لم يعد هناك الكثير من الشكوك التي تؤكد أن هناك تناغما إسرائيليا أمريكيا حول الإلغاء التدريجي للأونروا، في ظل موقف فلسطيني أقل ما يقال عنه إنه باهت، الرسمي منه والفصائلي والشعبي، وهو استمرار لذات الموقف السلبي من نقل السفارة الأمريكية الى القدس، فلماذا لا تواصل واشنطن وتل أبيب حسم ملفات الصراع الجوهرية مع الفلسطينيين، الذين يكتفون بإصدار بيان هنا ومسيرة هناك، وكفى الله المؤمنين شر القتال..
نحن أمام استحقاقات تاريخية تطوي معها سنوات وعقودا طويلة من الزمن، في ظل التسارع الذي تبديه الإدارة الأمريكية، وإلى جانبها الحكومة الإسرائيلية، مما لن يبقي أمام الفلسطينيين ما يتفاوضون بشأنه مع تل أبيب مستقبلا.
ولذلك لن يكون أمام الفلسطينيين سوى القبول بفرض الوقائع الإسرائيلية على الأرض، والاكتفاء بما تبقى من فتات القضية الفلسطينية، بعدما تم قضمها ملفاً إثر ملف في غفلة من أصحاب القضية المنشغلين بما يعتبرونه أكثر أهمية.. وللأسف الشديد!