كشف جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي في مذكراته الصادرة للتو، أنه اجتمع خلال حرب غزة 2014 مع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقال حرفيا: "بدا لي بيبي مهزوما للغاية، بعد إغلاق مطار بن غوريون، ووقف الرحلات الجوية بسبب صواريخ غزة، كانت واحدة من المرات القليلة التي أشاهده فيها هكذا، غابت طاقته وبهجته، لقد مس قلبي أن أرى قائد إسرائيل بهذا الشكل، رأيته أكثر ضعفا مما رأيته من قبل".
كلام كيري هذا يؤكد أن العدوان الذي أطلق عليه الإسرائيليون "الجرف الصامد"، وأطلقت عليها المقاومة "العصف المأكول"، ورسخت في أذهان الفلسطينيين باسم "حرب الـ50 يوماً"، دفع قادة الجيش والمخابرات الإسرائيليين للقول إن نتائج حرب غزة، تؤكد أن المقاومة عملت وفق خطط تنفيذية، وإذا ما استمر هذا الوضع، فينبغي التفكير كيف ستظهر المنطقة بعد فترة وجيزة.
وجاءت التقديرات الإسرائيلية لتبعات حرب غزة، رغم النشوة التي أصيبوا فيها بزعم تدميرهم لقدرات المقاومة، بأنه بعد عدة حقب من الزمن سنتصدى لقدرات عسكرية لم نشهدها من قبل في قطاع غزة، لا سيّما الصواريخ المضادة للدبابات.
وتضيف أن رجال حماس اجتازوا تدريبات وتأهيلات في طيف واسع من المجالات؛ كالقنص، والتفجير، ومضادات الدبابات، والتحصين، والاستحكامات، ونشوء منظومة قتالية حقيقية، وتبلور مفهوم شامل مع قدرات شبه عسكرية لم نعرفها من قبل.
وهكذا تتقارب مذكرات كيري بملخصات التقارير التي أصدرتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حول تعاظم بنية المقاومة في غزة، فور أن هدأت المعارك، تقترب من وصفها بالتهديد الإستراتيجي للكيان الإسرائيلي، بغضّ النظر عن دقة هذا الوصف أو تضخيمه، حيث ينجم عن نشرها تعاظم النقد داخل الحكومة على ما وصف بـ"سياسة التجلد" في ضوء تنامي قوة حماس العسكرية.
وتؤكد تصريحات كيري ما ذهب إليه جنرالات الاحتلال أن قطاع غزة سيبقى بؤرة عسكرية للمقاومة، يوجد لها جيش مدرب، مبني كمنظومة عسكرية بكل جوانبها، ولديها سياسة مقاومة واضحة، بل واستمرار العمليات الفدائية ضدّ الجيش الإسرائيلي في مسارات تعتبرها شرعية، وتعمل انطلاقاً من الرغبة لخلق ميزان ردع حياله، ولهذا تعنى ببناء القوة، وتحسين التكتيك وتأهيل مقاتليها، وبالتالي تحقق قفزات في قدراتها العسكرية في تقدمها أكثر من جيل.
أخيراً.. فإن ما أورده كيري في مذكراته حول سوء الحال الذي وصله الإسرائيلي عبر رئيس الحكومة، يؤكد أن النتيجة النهائية للحرب هي المقررة، وليس التفسيرات، النتيجة المباشرة لحرب غزة الأخيرة أنه يوجد ردع متبادل بين "إسرائيل" وحماس، الأولى علقت في تعادل عسكري مع الثانية، وهذا فشل ذريع في الوعي الوطني الإسرائيلي، ويُعدّ في نظر كثير من الإسرائيليين أخطر من الهزيمة المعلنة، ورفع الراية البيضاء.