بين الحين والآخر تداهمنا حادثة تفتح هذا الملف، والغريب أننا المستهدفين بهذه الأساليب القذرة لا نعمل إلا القليل القليل على صعيد التوعية وثقافة المجتمع، وكذلك لا يوجد هناك عقوبات رادعة لكل من تسول له نفسه الانزلاق ومساعدة الأعداء في الإسقاط ثم الابتزاز .
تبدأ القصة باستدراج الضحية ليجده يسير في خطوات الشيطان خطوة وراء خطوة ليصبح صيدًا في شباكهم، ثم يجري التصوير والتوثيق لتستخدم هذه الصور في الابتزاز، وهناك ابتزاز للحصول على معلومات وتوظيف الضحية عميلًا ومستخدمًا لأهدافهم على الغالب، وقد يكون هذا الابتزاز من أجل الحصول على مال أو أية أهداف يرتئيها هذا المجرم، أخلاقية أو أمنية.
ومن الأمور المساعدة لنجاح هؤلاء وجود اختلال في منظومة القيم التي تشكل البناء التربوي لكثير من الناس، فهناك قيم يجري الاهتمام بها وترسيخها جيدًا، وهناك قيم أخرى يؤخذ بها لمامًا ولا تزرع كغيرها، منها -مثلًا- تركيز الاهتمام بالمكانة الاجتماعية ونظرة الناس إلى الشخص نفسه، فيربى ويزرع في نفسه الحرص الشديد على هذه المكانة والخوف من الفضيحة، أو أن تمس بأي حال من الأحوال، هذا جيد، لكن بالمقابل حسابات رقابة الله والخوف من العاقبة عند الله قبل العاقبة عند الناس هذه قيمة لا يعمل عليها كما الأولى، وكذلك الحسابات العامة للوطن وخيانته لا يجري العمل عليها كما حسابات الفرد ومصلحته ومستقبل حياته الخاصة، فنجد الضحية –مثلًا- كل حساباته للفضيحة والخوف من فقدان المكانة الاجتماعية، فنجده يخضع للابتزاز دون الخوف من ضياع مكانته عند الله ودون حسابات الوطن وخيانته، وقد تكون موجودة لكنها أضعف من الأولى؛ فيختار ستر نفسه عن الناس -ولو بالسقوط في الرذيلة- من ستر نفسه أمام ربه.
وهنا لابد من التركيز على البناء التربوي المتكامل الذي يزرع القيم كلها دون أي اختلال، وللمدرسة والمسجد دوران هامان في هذا المجال، ليس فقط بالتوعية والتحذير، وإنما بالتربية الصحيحة، إذ تزرع القيم التي تقي الفرد ذاتيًّا من الوقوع وألا يكون فريسة سهلة، وإن وقع بطريقة ما يمتلك الشجاعة للتراجع وعدم الاستمرار في طرق العار والابتزاز، مهما كلف الأمر من تضحيات.
آن الأوان لحملات من التوعية تستخدم فيها طرق حديثة ومتنوعة للوصول إلى الهدف المنشود، منها أن نستخدم المسرح والفيلم وكل أشكال الإنتاج الفني، وكان لابد أيضًا أن نعمل على قاعدة درهم وقاية خير من قنطار علاج، فندخل إلى مناهجنا المدرسية هذه التوعية، كذلك لابد من تشكيل البيئة التي لا تسمح بفعل هذه الطفيليات؛ فانتشار الأخلاق والعادات السيئة أفضل بيئة لعمل هؤلاء، كذلك لابد من تقوية النسيج الأسري لأن الأسرة القوية تقي أبناءها من أن يكونوا فريسة سهلة، وفوق كل هذا لابد من القوانين الرادعة وتفعيل الدور القضائي، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وحتى يجد كل من تسول له نفسه العبث بأعراض الناس خوفًا كبيرًا من عاقبة عمله، وسوء ما ينتظره من عقوبة رادعة له ولغيره.