انتهى مؤتمر باريس بخيبة أمل فلسطينية تقريبًا، بدليل ترحيب وزارة الخارجية الإسرائيلية بالبيان الختامي، الذي أكد على المفاوضات المباشرة بين الطرفين، دون الانتقال إلى مجلس الأمن وهو ما كان يخشاه نتنياهو.
لقد عملت الدبلوماسية (الإسرائيلية) على تحجيم نتائج المؤتمر إلى حدّ كبير، ونجحت في ذلك بشكل لافت للنظر، فما كان في باريس ليس مؤتمرًا دوليًا، بل هو أقل كثيرًا من المؤتمر الدولي كما تريده السلطة، وبيانه الختامي للإعلام وليس للتوجه إلى مجلس الأمن لتعزيز قرار نبذ الاستيطان كما كانت تخشى دولة العدو.
نعم، حذر المؤتمر ترامب الرئيس الأمريكي من خطورة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وبين أنها تهدد استمرار المفاوضات، ولكن لا تحمل دعوة المؤتمر للأسف صفة الإلزام، ونحن مع ترامب لا نملك التخمين الصحيح، لا سيما وأن نتنياهو بات يعد الجمهور بيوم جديد قادم بعد العشرين من يناير، أي بعد تسلم ترامب الرئاسة رسميًا.
لست أدري ما هو الموقف العملي الذي يمكن أن تفتخر به السلطة من مؤتمر باريس، وهو لم يعطِها شيئًا جديدًا ولا أملًا جديدًا في تنفيذ حل الدولتين، الذي أصبح تقريبًا شيئًا من الماضي، لا يطالب به غير السلطة مطالبة إعلامية بينما لا تقوى على فرضه، أو التأثير في فرص نجاحه بعد أن أسقطت منذ سنوات كل أوراق القوة والضغط على العدو، وكانت (إسرائيل) مرتاحة جدًا من سياسة الأمر الواقع القائمة التي تساعدها على تعزيز تواجدها الاستيطاني والأمني دون قلق، بل بالتعاون مع السلطة.
إن أي قراءة للبيان الختامي للمؤتمر يمكن أن تقول لنا بوضوح: إن السلطة لم تحقق منه النتائج التي كانت ترجوها، وأن القلق أو الرفض الذي أبداه نتنياهو للمؤتمر هو أمر طبيعي في السياسة الإسرائيلية التي لا تؤمن بالتدخل الدولي في الأزمة القائمة مع السلطة. ولم يتمّ تدويل الأزمة كما خططت إسرائيل في أثناء متابعتها لإجهاض أو أضعاف المؤتمر.
واللافت للنظر أن نتنياهو يطرح فكرة الحل الإقليمي القائم على التفاهم مع الدول العربية المعتدلة التي يصفها بأنها باتت أقرب إلى الاقتناع بوجه النظر الإسرائيلية. ومن ثمة يكون التفاهم مع الدول العربية المعتدلة أولًا في مواجهة الأخطار الخارجية، باعتبار أن دول (إسرائيل) ليست عدوًا، وليست خطرًا، ثم تكون الخطوة التالية هو المفاوضات من أجل حلّ القضية الفلسطينية، في ضوء التفاهمات مع دول العالم العربي، فيما يلخص إعلاميًا كعنوان بالحل الإقليمي، الذي يعني الشراكة العربية في الحل، ويعني التطبيع أولًا، وإنهاء ما يعرف فلسطينيًا بحق عودة اللاجئين.
نتنياهو ليس صادقًا حين يتهم مؤتمر باريس بأنّه يُبعد التسوية, وأنّه يُصلّب مواقف الفلسطينيين ويبعدهم أكثر عن إجراء مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة. نتنياهو يواصل الضغوط على السلطة، من أجل انتزاع المزيد من التنازلات، وكأن السلطة لم يعد أمامها سوى التسليم باستمرار الواقع القائم.
باختصار فإن مؤتمر باريس لم يقدمنا نحو الحل خطوة واحدة، رغم الاحتفالية الكبيرة التي شهدتها باريس، ورغم الصبر على التسويف في عقد المؤتمر، وبات على السلطة أن تنظر مرغمة في الخطوة التالية التي لم يحددها المؤتمر، لا في باب الاستيطان، ولا في باب المفوضات.