خمس ساعات من حوار الكتاب والمحللين السياسيين، أظهر خلالها يحيى السنوار قدرة كبيرة على الاستيعاب والفهم، وأظهر قدراً كبيراً من الجلد والصبر والتحمل، كان يحيى السنوار في لقاء اليوم قائداً حقيقياً، يتحدث بمسؤولية، وقوة وجرأة لم أعهدها في اللقاء الذي جرى معه قبل عام تقريباً، حين قال في ذلك الوقت: أشيروا علي، ماذا نفعل للخروج من هذا المستنقع، ولكنه اليوم، استمع، وحاور، ولديه رؤية، وتصور كامل عن المرحلة، وما سيستجد بالشأن السياسي، فكان قوياً متماسكاً واثقاً، وهذا يعكس ما لدى السنوار من أسرار ومفاجآت لا نعلمها نحن.
أكد السنوار في اللقاء أن القوى الوطنية الفلسطينية قد اتخذت قرارها بكسر الحصار مهما كلف الأمر، ولن نعود ثانية أسرى زنازين العقوبات والحصار، حتى لو احترقت بلاد، وتكسرت عنجهية الطغاة.
لقد أكثر السنوار في حديثه عن قدرات المقاومة بكافة أذرعها، والتي تضاعفت مئات المرات من حيث كمائن الأفراد والدبابات عما كانت عليه عشية حرب 2014، وتحدث عن مضاعفة القوة الصاروخية عشرات المرات، مع دقة التصويب وزيادة حجم الرأس المتفجر، وأشار إلى تضاعف غرف العمليات تحت الأرض مئات المرات، وتضاعف مساحة الأنفاق عدة أضعاف، بشكل يمكننا من القول: اطمئنوا، سيرتعب العدو، وسيخرج شعبنا من المعركة منتصراً متفاخراً بقدرات المقاومة، ومتفاجئا مما أعددناه لذلك اليوم، ومع ذلك، لا نسعى للحرب، ولكننا لا نخافها.
حديث السنوار عن المقاومة جاء متمًا لحديثه عن المصالحة، وقد أكد الرجل أن المقاومة لن تقطع الأمل بالمصالحة الوطنية، ولكنها ستعمل وفق ما يمليه عليها الواقع، وبما يخدم مصالح شعبنا، ولا قيمة لسلاحنا وصواريخنا وأنفاقنا إذا لم تكن عوناً لشعبنا، وإذا لم تفك الحصار عن شعبنا، لن نقبل بأن يظل شعبنا يتوسل لقمة العيش، سنحرق الأرض إذا لم يرفع الحصار.
وقد تحدث السنوار في اللقاء المطول عن التهدئة، ومساراتها المصرية والدولية، وعن قرار المقاومة بأن تكون التهدئة ميدانية مقابل رفع الحصار، وحرية شعبنا، دون الاعتراف بإسرائيل، ودون نبذ العنف، ودون الاعتراف بما اعترفت به منظمة التحرير، وهذه هي شروط الرباعية التي دفناها تحت غبار أحذية شعبنا في مسيرات العودة.
وتحدث السنوار عن مسيرات العودة، ودورها في بعث الروح الوطنية التي حاول الأعداء طمسها، وأكد أن مسيرات العودة مستمرة حتى رفع الحصار، وحتى حق العودة، وأن ما عرض على رجال المقاومة حتى اللحظة لا يرقى إلى مستوى تطلعاتنا في الحرية، ولكننا لن نغلق الباب، وما زلنا ننتظر ردود الإسرائيليين على كثير من المسائل، وقد تتبلور ورقة نصية مكتوبة في غضون أسبوعين، ولكن تنفيذ التهدئة بالكامل وفك الحصار قد يأخذنا إلى منتصف شهر أكتوبر، وحتى ذلك التاريخ لن يحتمل شعبنا العقوبات والحصار، سندمرها على رأس الجميع، ولتحترق مدن وتدمر مستوطنات.
وعاود السنوار في حديثة العسكري يعدد قدرات المقاومة، وقال: إذا كان عدونا يهدد بأن تبدأ المعركة من حيث انتهت المعركة السابقة، وسيضغط علينا من خلال الضغط على شعبنا، ويبدأ بتدمير الأبراج، فلدينا الخطة التي ستكسر أذرع العدو، وسيندم كل قائد عسكري إسرائيلي وكل قائد سياسي على اللحظة التي اتخذ فيها قرار الحرب، وسيكون منبوذا بين اليهود لحجم الدمار والهلاك الذي سيطال المجتمع الإسرائيلي الذي سيرتدع عن التفكير بالحرب بعد ذلك نهائياً.
أشاد السنوار في حديثه بالقوة السياسية الفلسطينية وبالتنظيمات التي تتآلف اليوم على قلب رجل واحد، خلف مشروع المقاومة، والتهدئة دون دفع أي ثمن سياسي، وركز في حديثه على تنامي قوة الفعل والمواجهة، وأشاد بالتنسيق الأمني والسياسي والعسكري بين حركة الجهاد وحركة حماس والشعبية والديمقراطية وفصائل المقاومة بمختلف أسمائها، والمبادرة، وأكد أن معسكر المقاومة يكبر ويتماسك، بينما المعسكر الآخر، معسكر التعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية يتفكك ويتراجع ويضمحل، وفي داخله صراعات كبيرة، وتصلنا تفاصيل اجتماعاتهم وقراراتهم السرية ولقاءاتهم، وسنفضح المستور في لحظة معينة.
وكان السنوار قد بدأ حديثه بالمؤامرة التي يديرها البعض من داخل جهاز المخابرات الفلسطينية، وكيف اشتروا أجهزة الاتصال وحضروا العبوات من اليوم الأول لتوقيع المصالحة، بهدف إفشالها، ويقف من خلف تلك المجموعة داخل جهاز المخابرات الفلسطينية مخابرات العدو الإسرائيلي التي ستتضرر من المصالحة.
لقد أكد السنوار كذب من ادعى بأن هنالك مطارا في إيلات، وقال: لم نطلب مطاراً مطلقاً، طلبنا تركز على الميناء، ولدينا الاستعداد للمراقبة الدولية لهذا الميناء، ولم نوافق على مراقبة إسرائيلية إطلاقاً، ونريد الميناء لنقل الأفراد والبضائع، ولا نريده لنقل السلاح، فلدينا طرقنا في جلب السلاح، وقد أدخلنا إلى غزة آلاف الأطنان من المتفجرات والأسلحة في ذروة الحصار 2015، وما بعدها.
وأكد أننا لا نتحدث مع الأوروبيين بشأن موظفي حماس في غزة فقط، لا، بل نتحدث معهم عن رواتب موظفي السلطة المقطوعة، وعن فرص العمل، وعن تشغيل بدل بطالة، وعن نقلة نوعية في حياة الناس، ودون ذلك، فما لا نأخذه من خلال المفاوضات، سنأخذه من خلال القوة والمواجهات.
خمس ساعات لا يمكن اختزالها في مقال سريع، ولكن الرجل ترك انطباعاً رائعاً لدى الحضور، وتركهم مطمئنين على وطنهم، وعلى مستقبل شعبهم، وهو يؤكد لهم بأن ما قصفناه لتل أبيب و"جوش دان" في 51 يوماً سنة 2014، قادرون اليوم على قصفه في خمس دقائق، ولعدة أشهر!!.