في الوقت الذي تنشغل فيه المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية بأوضاع قطاع غزة، سواء من باب التهدئة أو وقف إطلاق النار مع قوى المقاومة الفلسطينية، فقد صدرت جملة تصريحات إسرائيلية حول الضفة الغربية، لم تأخذ قسطها المناسب في وسائل الإعلام.
أولها ما أعلنه نفتالي بينيت زعيم حزب البيت اليهودي، الشريك الأساسي في الائتلاف الحكومي، ووزير التعليم، بقوله إن إسرائيل نجحت في إجراء تغيير في طبيعة النقاش العالمي تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، من البحث في حل الدولتين إلى فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والجولان وغور الأردن.
ثانيها ما أكده الحاخام إيلي بن دهان نائب وزير الحرب، متحدثا عن مرور عامين على تولي أفيغدور ليبرمان هذه الوزارة بقوله إنه طرأ تغير جوهري على البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، من النواحي الكمية، والسرعة الزمنية، والمثابرة في البناء، وفي سنة واحدة منحت الوزارة تراخيص وتصاريح لبناء وحدات استيطانية عن عشر سنوات سابقة.
هذا التصريحان يتزامنان مع حراك محموم من البناء الاستيطاني، ومحاولة فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق واسعة من الضفة الغربية، سواء من الناحية القانونية أو الأمنية، بما في ذلك محاربة أي وجود فلسطيني في المناطق المصنفة سي بالضفة الغربية، وهدم أي منزل أو مبنى بدعوى مخالفته للاتفاقات الموقعة.
هذه الممارسات الإسرائيلية تقطع الشك باليقين، لمن تبقى لديه أدنى درجات الشك، أن الغاية النهائية لإسرائيل هي الوصول بالمستوطنين في الضفة لأن يصبح عددهم مليونا كاملا، وهو حلم طالما راود رموز اليمين الصهيوني المتطرف، وهو ما سيكون على حساب الفلسطينيين، أهل الأرض الأصليين.
ترى إسرائيل أن تحقيق هذا الحلم، وهو الكابوس بالنسبة للفلسطينيين، بات وشيكاً في ظل جملة عوامل لا تتكرر كثيرا، ومن أهمها: وضع فلسطيني في أسوأ ظروفه من حيث الانقسام السياسي، وتراجع ما تبقى من سيادة فلسطينية على بعض أجزاء الضفة الغربية، وتبدد هيبة السلطة الفلسطينية على الأوضاع الأمنية لصالح اتساع نفوذ الجيش والأمن الإسرائيليين.
أكثر من ذلك، تعتقد دوائر صنع القرار في تل أبيب أن وجود إدارة أمريكية تقف على يمين اليمين الإسرائيلي تشمل فرصة ذهبية قلما تتكرر، تتماهى كثيرا في النظرة الإسرائيلية لمستقبل الضفة الغربية، باعتبارها "يهودا والسامرة"، حتى أن أحد مسئولي الإدارة الأمريكية الحالية زار مستوطنات الضفة الغربية مؤخرا، وأبدى رغبته بشراء منزل فيها.
أخيرا... تتقن المؤسسة الإسرائيلية سياسة حرف أنظار العالم عن منطقة، وتركيزها على منطقة أخرى، والنتيجة الحاصلة أن المجتمع الدولي يمنح أولويته الحالية للوضع في قطاع غزة، ويتجاهل ما يحصل في الضفة الغربية، وهو ما تريده إسرائيل، وتسعى إليه.