لماذا نعكر العبادة بالسياسة؟ هل السياسة تعكر الأجواء الروحية الجميلة لعبادة الحج؟
راقبت الأمة الإسلامية في الأيام القليلة الماضية حركة أمة حرة جسدت ذاتها بطريقة عملية معلنة حقيقة هذه الذات وطبيعتها الفريدة التي تميزها عن كل الأمم، أمة الحج جسدت صورة مصغرة لأمة الإسلام التي ينبغي أن تكون عليها بكل دقة ووضوح:
فعندما تلبس أمة الحج لباس الاحرام موحدة للون والشكل وطريقة اللباس انما تعلن بأنها أمة واحدة بيضاء نقية لا تشوبها شائبة ، تلبس لباسا بصبغة واحدة هي صبغة الله التي ارادها للناس أجمعين، تتوحد كل الالوان على لون واحد وتتجه وجهة واحدة، ذات العقيدة وذات الهدف وذات الطريقة فهي أمة يد واحدة على من سواها فلا تتفرق في دين الله ولا تفرقها السبل وتجتمع لتعطي أمة الحج الصغيرة أمتها الكبيرة درسا بليغا في الوحدة والتآلف والتعاضد والتناصر، والتكاتف السياسي والاقتصادي بالذات، اذًا ماذا يعني اللون الواحد في الدين بينما الشرذمة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، هذا اللون الواحد يعني ان تذوب الالوان الطائفية والقطرية والقبلية والعشائرية وكل الكيانات السياسية وأن تصبغ بلون واحد وعلى الاقل ان تكون الغلبة لهذا اللون أو أن تجتمع تحت راية : "وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" .. فالذين يعبدون ربا واحدا ويصطبغون بصبغة هذا المعبود العظيم لا ينبغي لهم التفرق بهذا الشكل المريع الذي هو واقع حال الامة هذه الايام .. وحتى لا نبتعد كثيرا عن الواقع المر نحو المثال بعيد المنال، لماذا لا يكون نداء امة الحج المصغرة مسموعا وعلى الاقل لنخطو خطوة واحدة اتجاه هذا المثال، أعلم تماما أنه لن تستمع قادة كياناتنا السياسية لنداء رسالة الحج السياسية . ولكن لنشكل ضغطا واعيا جماهيريا تقوده أمة الحج الصغيرة بحجمها، الكبيرة برمزيتها ومعانيها السامية. يجب ان نعي رسائل الحج جيدا خاصة المغيب منها وهو هذا البعد ذو العلاقة بواقع الامة السياسي.
وتتجه هذه الامةذات اللباس الموحد بقلوب صادقة ولاهجة بهذا النداء الخالد: لبيك اللهم لبيك لتنفض عن قلبها كل توجه او اعتماد او ارتكاز على اية جهة خارجية ، هي الامة التي تشكل ذاتها وتدبر شؤونها وتقرر سياساتها دون أي تدخل خارجي او أجنبي، لا شرك أو شراكة سياسية مختلة لصالح اعداء الامة وانما هي السيادة الكاملة والامة التي تحترم نفسها وتجبر الاخرين على احترامها ، وتنظر أمة الحج على من حولها من أمم تلبي لامريكا : لبيك أمريكا لبيك، لا بديل عنك فالحمد لك والنعمة منك واليك والملك كله بين يديك ويدي ربيبتك المدللة لديك، أمة الحج ترسل رسائلها السياسية بكل ما تفعل وتقول بينما الامة الكبيرة لا تعي ولا تسمع وسادرة في بعدها عن هذه الرسائل شديدة الوضوح.
وتطوف الامة الصغيرة حول الكعبة متحررة من اي طواف ، متوحدة على طواف واحد بينما من حولها يطوفون في فلك الشيطان الاكبر والاصغر، أية رسالة سياسية عملية تؤكدها أمة الحج في هذا الطواف المنتظم البديع ، وأي معنى لهذا المشهد البليغ ان لم نفهم منه ان على الامة التي انبعثت منها أمة الحج أن تتحرر من أي طواف يبتعد بها عن طوافها المركزي حول الكعبة، طواف يحقق مرضاة الله ويقيم منهجه على الارض، أن وعينا لهذه الرسالة الصارخة في وجوهنا لتقض مضاجعنا ولتكشف عورات كياناتنا السياسية وهي موغلة في طواف قامت عليه منذ تأسيسها واقامة مدن الملح فيها والتي لا يحتاج انهيارها الا الى ضخ قليل من الماء أو وقف ضخ المال السياسي في عروقها، لأنها اعتادت على الاعتماد على غيرها وعلى أن تدور سياساتها واقتصادياتها في فلك غيرها.
ثم تغدو أمة الحج لترجم ابليس معلنة البراءة منه وتنصيبه عدوا لدودا أبديا لها وأن تكون النقيض التام له ولكل سياساته وأساليبه ومكره ودهائه وخططه وبرامجه دون اية هوادة، ان هذا المشهد للملايين التي ترجم ابليس بهذه الطريقة المجسدة بالغة الوضوح يرسل رسالته بشكل قاطع وحاسم، الشيطان ومن سار على دربه واتبع نهجه أيّا كان اسمه في هذا العصر ليس له الا الرجم، قد يسمي نفسه ولايات متحدة أو على اسم نبي (اسرائيل) أو اتحاد ديمقرطي ليبرالي أو حتى كيان وطني قومي ولكنه في ذات الحلف.. أمة الحج تتبرأ من كل هذا وتدعو الامة الكبيرة بهذا المشهد الفاضح الكاشف أن تحذو حذوها فترجم ابليس مع حفظ الالقاب والاسماء. ما بالنا نجد صداقة وتحالفا وتبعية وخضوعا واستسلاما وانحيازا لمعسكر الشيطان من قبل الامة الكبيرة بدل الرجم والعداء واستنفار كل قوى الحق في مواجهة هذا الباطل؟؟اي حلف سياسي شيطاني هذا الذي يجعل تحالفا بمسمى غير شيطاني يتحالف مع كل شياطين الارض ليضرب بكل قوته وجبروته وثرائه النفطي دولة فقيرة بالكاد تجد ما يسد جوع ابنائها أو يضمد جراحها ويعيدها على الخارطة البشرية من جديد، ويستمر هذا العداء الجنوني بضع سنين دون ان يرحم طفلا او امرأة أو مسنا أو بيتا متهالكا أو مأتما أو عرسا.. هل هذا يترجم رمي جمرات امة الحج ابليس برميه جحيم طائراته أهل اليمن؟!
ويأتي يوم عرفة لتجتمع أمة الحج هناك فينادي مناد مقلدا لطريقة عمر في احياء يوم عرفة عندما نادى في الناس: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا".. ماذا لو أرادت أمة الحج في عرفة وتحت شعار عمر أن تتدارس أحوال الامة الكبيرة.. أن تستدعي حكام الامة كما استدعى عمر حاكم مصر.. ماذا ستقول لهم في رسالة سياسية موحدة: ألم يأن لكم أن تكفوا عن استعباد واستحمار شعوبكم؟
لن يسمح بممارسة السياسة في عرفة او الحج ولن يسمح بتسييس العبادة رغم ان كلها سياسة، وهكذا يفرغ الحج من كل رسائله ويبقى جسدا بلا روح وشكلا بلا مضمون، لن يسمح لعمر بأن يظهر من جديد ولا مكان لمن يريد ان يحيي سنة او ان يعيد أمجاد عمر، فقط يسمح لك ان تقول عن نفسك أسد بينما لا يعدو دورك دور أرنب .. يسمح لك ان تسمي نفسك حاجا لبيت الله الحرام ولكنك في الحقيقة لم تقم الا بأنك قلت آمين خلف من يسبح بحمد ولي نعمته، ذاك المسبح بحمد مثبت أركان عرشه ..
الحج كله سياسة وهذا هو دأب العبادة التي جاءت لتخرج الناس من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ، وان تفريغ العبادة من السياسة ما هو الا قتل لروحها وتدمير لاهدافها . ان لم تنتج العبادة ولم تستثمر في السياسة فمن ذا الذي سيستثمر لنا في السياسة؟ أتترك لمن يعبد الشيطان وتسلب ممن يعبد الرحمن ؟؟؟