الخليج الإماراتية
ما زال الكيان العبري يمارس القتل والسرقة في عالم منشغل عن جرائمه، والعرب حيّدوا القضية الفلسطينية عن قاموسهم اليومي، لانشغالهم بما يحدث في بلدانهم، حتى باتت القضية الفلسطينية تمر على الشريط الإخباري مرور الكرام، لا يأبه أحد بها، وبما يتجرعه أهلها من الويل والعذاب على يد سجانٍ مجرم، تجرد من معاني الإنسانية كافة، ووجه بنادقه إلى تلك الصدور العارية، التي أضناها الجوع والحرمان، بعد حصار خانق، سلب أهل البلاد الأصليين أبسط مقومات الحياة، وجعلهم فريسة للقهر وضنك العيش؛ فخرجوا ينشدون الحرية، وينبذون الظلم، وهم يحملون رايات الكرامة والإباء، شعارهم أن الفلسطينيين لم يموتوا، ولن يموتوا، رغم السنوات العجاف، التي مرت بهم، ولن يتنازلوا عن تراب وطنهم، ولن يرفعوا رايات الاستسلام.
فها هو الأقصى الجريح الذي تكبله العنصرية الإسرائيلية أغلقه الاحتلال، تحت ذرائع واهية؛ فتارة يستغل تصدي المرابطين في المسجد للمستوطنين الذين يدنسونه، وتارة أخرى يغلق بعض الأبواب لمنع دخول المصلين منها، في محاولة لفرض أمر واقع عليهم، للاستحواذ التام عليه، ليكون حصرًا للمستوطنين، وفي مرات كثيرة يغلق الأقصى، ويمنع الأذان، فضلًا عن اقتحامه وتدنيسه والاعتداء على المتعبدين فيه.
وأخيرًا زعم الاحتلال أن شابًا فلسطينيًّا حاول تنفيذ عملية طعن في القدس، ولم يتوقف عند إعدامه، بل أيضًا انتهز الفرصة لوضع أغلاله على الأقصى، وإغلاقه إغلاقًا كاملًا، وإجبار التجار على إغلاق محالهم، وقدر رأى العملية المزعومة فرصة مُثلى للتضييق على الفلسطينيين بجميع مناحي حياتهم، بملاحقتهم في عباداتهم وقوت يومهم، وهذه سياسة ممنهجة متبعة منذ ردح من الزمن، انتهجها الاحتلال لإفراغ المدينة من ساكنيها.
وأمام هذا الإصرار الفلسطيني على رفض الاحتلال وإجراءاته في القدس، وعموم الأرض الفلسطينية لم يجد الاحتلال غير التنكيل والإجرام سبيلًا بحق كل ما ينبض بالدم الفلسطيني؛ فمن تدمير الأبنية إلى سرقة الأراضي وتهجير أصحابها إلى قطع أشجار الزيتون، في رسالة للعالم أجمع، مفادها أن الزيتون رمز السلام والمحبة لم يسلم من عدوانه وصلفه، فالاحتلال وزع جرائمه على مراحل ثلاث؛ فغزة أطبق عليها حصارًا خانقًا، حرم فيه سكانها الحياة، في محاولة لإذلالهم وتركيعهم، والضفة سرق الأراضي من أهلها، ليأتي بشذاذ الآفاق فيغدق عليهم مما سرقه، أما من يسكن داخل الأراضي التي تقع تحت سطوته بشكل كامل فجردهم من حقوقهم كافة، متخذًا ذرائع واهية، ليسلبهم إياها.
مواجهة هذا الصلف الإسرائيلي له في فلسطين أولئك الرجال، الذين وهبوا الروح رخيصة كُرمى عيون فلسطين، لكنهم يحتاجون لما يدعم صمودهم، وهذا الدعم ينبغي أن ينطوي على جانبين: الأول أن تتوحد الرؤية الفلسطينية نحو المحتل، والثاني وقفة عربية جادة، تدعم المُرابطين ماليًّا ومعنويًّا، وإلا فإن تلك الدماء الغالية التي ارتوت بها الأرض الفلسطينية ستذهب سدى، لاسيما أن الاحتلال وأمريكا يسعيان إلى تمرير «صفقة القرن»، وإسكان عشرات الآلاف من المستوطنين بدلًا من سكان الأرض الحقيقيين، في محاولة لتهويد أولى القبلتين ثالث الحرمين الشريفين.