تظهر المواقف التي أعلنتها السلطة الفلسطينية احتجاجا على مباحثات التهدئة بين المقاومة و(إسرائيل)، حاجة ماسة لدراسة جديتها، وقدرتها على تنفيذها، لاسيما تهديدها بوقف تمويل قطاع غزة كلياً، والامتناع عن دفع رواتب موظفيها بصورة نهائية.
الحاجة لاستقراء مواقف السلطة تنبع من مدى قدرتها على تحدي رغبة (إسرائيل) بإبرام التهدئة مع حماس ، والأوراق التي تحوزها كي تتخذ موقفا مناهضا لسياسة (إسرائيل) في غزة، خاصة وأن تهديداتها لو عرفت طريقها للتطبيق فستعني إضافة المزيد من العقبات أمام حماس، وزيادة معاناة الفلسطينيين، مما يطرح تساؤلات عميقة عن الموقف الإسرائيلي من هذه التهديدات، وإمكانية تجاوز السلطة، بالتعامل مع غزة، وإن بطريقة غير مباشرة.
بعيدا عن التوصيف الذي قد يبدو متسرعا في القول إن السلطة الفلسطينية ملحقة بالكامل لسلطات الاحتلال، فإن لها أوراقا تحاول أن تبتز بها دوائر صنع القرار في تل أبيب، في المجالين الأمني والاقتصادي.
أمنياً: تقدم أجهزة الأمن الفلسطينية لنظيرتها الإسرائيلية خدمات جليلة، عز نظيرها، تتمثل في تنسيقهما الثنائي، بتبادل المعلومات، ونقل الخبرات، كونهما تواجهان عدوا مشتركا يتمثل في الخلايا المسلحة لقوى المقاومة بالضفة الغربية، مما جعل (إسرائيل) تنعم بسنوات من الهدوء لم تحلم به منذ فترة طويلة جدا.
اقتصادياً: فإن إدارة السلطة ووزارتها الإدارية والحكومية ترفع عن الكاهل الإسرائيلي عبء تحميل شئون ثلاثة ملايين فلسطيني بالضفة الغربية في المجالات: المعيشية والاقتصادية والمالية، من خلال إنفاق السلطة عليهم، من مواردها الذاتية المتواضعة أو الدعم الدولي لها، مما عمل على تحويل الاحتلال الإسرائيلي لأقل الاحتلالات كلفة، يطلق عليه الإسرائيليون متفاخرين احتلال "سوبر ديلوكس".
هاتان الوظيفتان اللتان تقوم بهما السلطة الفلسطينية تجعلها تعلي صوتها رافضة لمباحثات التهدئة إن تمت خلف ظهرها، صحيح أن (إسرائيل) تمسك بزمام الأمور كلها بالضفة الغربية، لكن تلويح السلطة بإمكانية إلقاء المفاتيح لها "إدارياً"، أو تخفيف مستوى العلاقات "أمنياً"، كفيل بتحويل حياة المستوطنين في الضفة إلى جحيم لا يطاق، مما دفع رئيس جهاز الشاباك للتحذير من أن أي تهدئة بغزة تتجاوز السلطة سيكون لها نتائج سلبية على الأمن الإسرائيلي.
السؤال: هل تستطيع السلطة فعلا القيام بذلك؟ بعيدا عن الإجابة الحدية لهذا التساؤل المهم، نعم أو لا، لكن إسرائيل ليست مستعدة للعودة لتدبير حياة ملايين الفلسطينيين، لأن هناك من يقوم بهذه المهمة، وهي السلطة في الضفة الغربية، كما حماس في قطاع غزة، وطالما أن هناك نسبة متواضعة من إمكانية أن تنفذ السلطة تهديداتها لإسرائيل، فقد تجعل الأخيرة تتروى في إبرام أي تهدئة مع حماس، ضمن أسباب أخرى بالتأكيد، داخلية وخارجية!