نتغنى ويحق لنا أن نتغنى، لما ننجح في إقامة عرس الديمقراطية، خاصة في جامعاتنا الفلسطينية، وجامعة بير زيت مثال رائع لهذا العرس الجميل، حيث تفتح أبواب الترشيح وتجرى العملية بروح ديمقراطية وعلى وفق آليات صحيحة، بحرية تامة واختيار حر، بعد مناظرة تطرح فيها الآراء والبرامج، ويقسم فيها الوقت بين المتنافسين، وتدار العملية وتخرج للناس بأبهى صورها الرائعة، ويحسم صندوق الاقتراع وحده النتيجة، ولا أحد يحتج أو يطعن في هذا الأداء المتميز بجامعة بير زيت ذات العراقة والأصالة والنموذج الرائد لطلابنا الأعزاء، ثم بعد ذلك بعد أن يزف العروس تأتي طلقة موجهة وليست طائشة إلى قلب هذا العرس ليعتقل العروس، وتبلبل العملية الديمقراطية وتوضع على حافة الهاوية وقمة الخطر.
شهدنا عملية العربدة والسطو المسلح على حرم الجامعة التي قام بها المستعربون عندما اعتقلوا عمر الكسواني، الذي أفرزه العرس الديمقراطي رئيسًا لمجلس الطلبة، وبقوة السلاح اعتدي اعتداء صارخ على ديمقراطية الجامعة واختطف الكسواني إلى غياهب سجونهم السوداء.
وبعد الانتخابات الأخيرة شهدت الجامعة انقضاضًا على ما تبقى من هذا العرس الديمقراطي، اعتقالات في صفوف النشطاء الذين برزوا في النشاط الانتخابي، والرسالة واضحة: كل من يسير في هذا الركب يضع نفسه في دائرة الخطر، ما عليك إذا أردت السلامة لنفسك ولمسيرتك التعليمية في الجامعة وما بعد الجامعة حيث فرص العمل والتوظيف، ما عليك إلا أن تبتعد عن كل من يشاغب أو يعارض أو لا يظهر الانتماء الخالص للسلطة القائمة، عليك أن تكون عبدًا في محرابهم، وماسح جوخ، ومتقنًا لرياضة التسلق، وأن تسوق نفسك جيدًا في سوقهم بما يظهرك بالصورة المطلوبة، عليك أن تتقن النفاق بنسخته المتجددة، وعليك أن تبتعد عن مواطن الشبهات التي تقترب بك من المغضوب عليهم والضالين العابثين بصورة الوطن الجميلة، عليك أن تكون كل شيء إلا أن تكون أنت.
هذا ناقوس خطر وتدمير لثقافة تعب بنّاؤوها كثيرًا حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، خاصة في جامعة بير زيت، فكيف يسمحون لهذا العبث أن يمر؟!، كيف لشموخ وكبرياء جامعة بير زيت التي تحطمت على صخرتها ظلاميات كثيرة أن يدعاها تصمت أو تحتج على استحياء أو لا تتحرك التحرك المطلوب؟!، تذكرون عندما زار رئيس وزراء فرنسا "جوسبان" الجامعة بعد أن كانت له تصريحات لمصلحة الأعداء، ما كان من الطلبة إلا أن استقبلوه بما يليق به: الحجارة والبيض، وعندما اجتمع الرئيس الراحل أبو عمار إلى نخبة من دكاترة الجامعة، وعاتبهم على هذا الاستقبال لهذا الضيف، كان للدكتور محمود العطشان الرد المناسب: "لقد رد طلبتنا الرد المناسب والصحيح على منحاز إلى الصهاينة لا يستحق الضيافة، وإن عاد فسيستقبله طلابنا بالطريقة نفسها".
ديمقراطية جامعة بير زيت لم تكن وليدة لحظة ولا نزوة من نزوات طلبة الجامعة، وإنما هي تاريخ نضالي عريق، ومنجز حضاري سهرت عليه الجامعة طويلًا ورعته حتى استوى على سوقه، وأخرج للناس ثقافة تناقلها الطلبة فوجًا بعد فوج، وأتقنوا فن إخراجها بأحسن الصور، لذلك إن على سدنتها والقائمين عليها أن يقفوا وقفة قوية مدوية في وجه هذا العبث، وهذه الاعتقالات التي تأتي على خلفية المشاركة في العرس الديمقراطي، بكل ما أوتوا من قوة وجهد، وأن يكون صوتهم الإعلامي حاضرًا وقويًّا عند كل عملية اعتقال، وأن تتكاتف جهودهم وجهود المؤسسات القانونية وحقوق الإنسان.
وكما قيل بين عبوسة الذئب وابتسامة الثعلب يفنى القطيع، إن لم تتحرك الجامعة التحرك المطلوب فإن بين عبوسة هذا وابتسامة ذاك سيفنى هذا العرس الديمقراطي الجميل.